هَلْ الإخراجُ كتابة؟

الصفحة الاخيرة 2021/03/24
...

رضا المحمداوي

 
 
في رسائل الماجستير وأطاريح الدكتوراه وفي قاعات المحاضرات والمناقشات وفي أجواء علمية جادة وصارمة، غالباً ما تتمُّ عملية طرح مفهوم(الإخراج) ضمن حزمة مصطلحات واشتغالات فنية حديثة، تأخذهُ إلى مديات واسعة مِن التداول الجديد وتدخلهُ في مسؤوليات وواجبات تضع العمل الفني ضمن ذلك الطرح المُستَحدث لوظيفة (الإخراج) بين التنظير الأكاديمي المُمَنهج مِن جهةٍ، والتجربة العملية وتراكم الخبرة مِن جهةٍ أخرى، ومن بين هذه الطروحات الجديدة أقفُ اليوم عند (الكتابة الإخراجية).
فهل الإخراج كتابة ؟ وإذا كان كذلك فما هي مفردات هذه الكتابة ؟ وهل تتم عملية الكتابة الإخراجية بواسطةِ لغةٍ ما ؟ حسناً.. فما هي هذه اللغة وما مفرداتها وما شكل حروفها وكلماتها؟
وفي طروحات علمية صعبة ومُعَقّدة يقفُ العمل الفني أحياناً مُلتبساً، وشائكاً بين الدرس الأكاديمي الجاد بطابعهِ المنهجي الصارم، ووظيفة الفن التقليدية التي تصلُ أحياناً إلى حدود التلقائية والعفوية في إنجاز ذلك العمل الفني من قبل صانعيه وخاصةً الأعمال الدرامية المرئية(السينما والدراما التلفزيونية)، اذ يتداخلُ عمل المؤلف بنصه المكتوب مع عمل المخرج والممثلين والتصوير والإضاءة والألوان والمكياج والملابس، إضافةً إلى الموسيقى والمونتاج والعناصر والأدوات الفنية الأخرى الداخلة في إنتاج العمل الفني .
فالنص المكتوب على الورق وفي أحيان كثيرة قد لا يحملُ بين صفحاتهِ أبعاداً تصويرية أو يوحي بالشعور المطلوب تجسيده فنياً من أجل إيصال الإحساس والعاطفة والفعل الدرامي المطلوب والمعلومة المنطوقة أو المُعَبَّر عنها حسياً، وبالمقابل قد لا تكون عملية الإخراج السينمائي والدرامي التلفزيوني خاضعة للشروط والمواصفات الأكاديمية بحذافيرها، كما أنها لا تمتلكُ وصفةً( إخراجيةً) جاهزةً لكل نص مكتوب، ذلك لأن عملية الإخراج الدرامي تتطلب فعلاً حركياً حيوياً متغيراً ومختلفاً على الدوام، وتستلزم إداءً جسدياً، وإطاراً نفسياً، وقدرة تعبيرية من أجل ترجمة الحوار أو النص المكتوب لتحقيق التواصل المطلوب والمُؤثر والمُقنع، ومن ثم صنع أو تخليق الحياة أو تكوينها جنينياً داخل رحم النص.
ومن المتعارف عليه أن الرؤية الإخراجية للمخرج غالباً ما تتم صياغتها وفقاً لمنظور فلسفي مُحدّد، حتى أنني وجدتُ مَنْ يَنظرُ إلى تلك الرؤية على أنها (عملية نقد تفكيكي).
فهل تنسجمُ و تتواءمُ هذه الصرامة العلمية والنظرة الفلسفية مع منطق الفن القائم أساساً على الحرية والساعي للانفلات من أيّ قيدّ أو حَد؟.