مستقبل الرواتب!

الصفحة الاخيرة 2021/03/27
...

حسن العاني 
في القرن العشرين، كانت مفردة (العميل) من مفردات المرحلة القاسية، فزيادة على دلالتها السياسية السيئة التي تجرد الانسان من وطنيته، فانها طعنة في شرفه، وكان الواحد من العراقيين يستهون الموت، على أن يقال له، أنت عميل، او توجه اليه هذه التهمة .
مع دخولنا الالفية الثالثة، انطفأت حساسية العمالة، ولم تعد مفردة عميل تخدش الحياء الوطني والسياسي والأخلاقي، بل اصبح الكثير منا يباهي بعمالته، ولا يجد حرجاً او ضيراً بأنه يتقاضى عوناً او مساعدة او مالاً من هذه الدولة او تلك، وعلينا ألا نستغرب او نعترض او نحتج، فتلك هي أحكام التطور وقوانينه الصارمة!
ومفردة العميل ليست حالة استثنائية، لأن تسعين بالمئة من كلماتنا ومفاهيمنا خضعت لهذا التطور الشامل، والتبدل الجذري، من ذلك على ما اذكر ان لفظة (مليونير) على سبيل المثال، كانت تطلق في العشرينات والثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي على أي شخص يملك ألفي دينار في الحد الأدنى، وخمسة آلاف دينار في الحد الأعلى، اذا ما علمنا ان سعر الدار الذي تبلغ مساحته (200م2)، لا يزيد ثمنه على (200) دينار، وهذا يعني ان من يمتلك الفي دينار بمقدوره شراء (10) دور ومن معه 5 الاف دينار يستطيع شراء (15) داراً ومزرعة ومركبة وثلاث زوجات، فكيف لايكون مليونيراً؟!
في ثمانينيات القرن الماضي بدأت مفردة مليونير تفقد بريقها، حيث بدأت الأسعار بالارتفاع، ومع العقد التسعيني اصبح العراقيون الذي يملكون مليوناً ومليونين وثلاثة واربعة وخمسة، بالآلاف، حتى اذا حل عام 2003 وما رافقه من حواسم ورواتب فلكية وفساد مالي، باتت مفردة المليونير باهتة، وبات العراقي الذي يحصل شهرياً على مليون دينار غير قادر على مواجهة متطلبات الحياة الجديدة، ولذلك ظهرت شريحة (المليارديرية)، وهي شريحة واسعة، مثلما ظهرت بالمقابل عبارة (تحت خط الفقر)، ونصف موظفي الدولة هم ضمن هذا الخط، وهذا يعني من الناحية القانونية، إنّ هؤلاء الموظفين قادرون رسمياً على الحاق أسمائهم بشبكة الرعاية الاجتماعية، من دون ان يضطروا الى التحايل والتزوير، كما يعني أن الشبكة من الناحية الفعلية والإدارية، ستكون هي المسؤولة مسؤولية مباشرة عن رعاية الأيتام والأرامل والمطلقات و.. الموظفين!.