شَبَّار الشوك وسؤال الشعر

ثقافة 2021/03/27
...

 حسن الكعبي 
 
مجموعة «شبَّار الشوك» للشاعر هيثم كامل الزبيدي - والصادرة عن دار بوتيكا اوفر سيز للنشر 2018 - واحدة من المجاميع التي تضم نصوصا شعرية تتحرك ضمن مجال يعيد الاسئلة المهملة عن مفهوم الشعرية، واذا ما كان هذا المفهوم يكتسب تحققه عبر الشكل ام المضمون؟، بعد ان حسمت الحداثة وما بعدها قضية الشعر لصالح قصيدة الحداثة ضمن سياقاتها النثرية وتحديدا ضمن النص النثري او قصيدة النثر، وبعد أن خف الحماس ضمن دائرة التلقي لكل نتاج يندرج ضمن الشعر ما عدا النص المتداول في فضاءات الحداثة ومابعدها، أي إهمال النص الشعري في سياق تحققه عبر الأشكال التقليدية (قصيدة التفعيلة او العمود).
إن المبالغة في الحماس لقصيدة النثر حتى بعد ما آلت اليه من انهيار لايقاعاتها وسياقتها الشعرية كان وراء تلك التحديات لانتاج الشعر ضمن الاشكال المهملة منه، تلك التحديات التي جسدتها توجهات مجموعة من الشعراء المبدعين الشباب نذكر منهم (عارف الساعدي وحسين القاصد وعمر السراي ومروان عادل وياس السعيدي وسراج محمد) أو من انطلق من فضاءات قصيدة النثر بعد ان وضع بصمته عليها ليختبر تلك الاشكال المهملة في سياق اعادة توجيه سؤال الشعر احتجاجا على ما آلت اليه قصيدة النثر، ومنهم المبدعان (جمال جاسم امين ورعد زامل).
في هذا السياق تأتي مجموعة «شبَّار الشوك» للشاعر هيثم كامل الزبيدي وهي تعيد توجيه اسئلة الشعر في اطار اختباراتها للايقاعات الغنائية في قصيدة التفعيلة، ومن دون ان تكون الغنائية هي الغاية في هذا الانتاج بل إنها تأتي في سياق المثابة الجمالية التي تنفتح على عوالم متعددة تحددها مفردات (الغربة، الوطن، الأسرة، أسئلة الوجود وغيرها من مفردات تشكل النسق المضموني للمجموعة).
تتحدد قصديات الشاعر في هذا التوجيه ضمن نصوص (مدخل وقال المعلم) بوصفهما دلالة على محاولات الشاعر للاختلاف وانتاج رؤية مختلفة للشعر، فالغيمة التي تمر على الشعراء في قصيدة مدخل لاتمنح الشعراء سوى مبتغيات اختبرها الشعراء مرارا (تمر الغيوم على الشعراء/ فتعطي لكل فتى منهم مطرا يشتهيه/ فبعض اراد فتاة بطعم الحياة/ وشعر طويل بعطر البساتين عند المساء/ تسايره تحت وقع المطر/ وتمشي على الماء كالانبياء/ وبعض أراد ثيابا ملونة مثل فصل الربيع/ ليرمي بعيدا ثياب الحداد/ ومن بينهم من أراد بلادا/ من الخيزران/ من السيسبان/ من العنفوان/ كأرض السواد/ ومنهم... ومنهم...) وهذه المبتغيات لم تعد تغري الشاعر الذي اختبر الغربة والسأم من الزيف في مخرجات الحياة، ولذلك فهو يبحث عن ظل يحجبه عن الهراء (ولكنني لذت بالصمت إذ سألوني: ماذا تريد؟/ ولم أبلغ الغيم أني سئمت الرعود/ سئمت أكاذيبها في المساء/ تبعثر فوق الحقول الوعود/ سئمت التسكّع خلف الحدود/ وكنت أفكر بيني وبين السماء/ لعل الغيوم/ تجود بشمسية معتمة/ تجنبني كل هذا الهراء/ الذي ليس فيه من الشعر ما صفحتي تشتهيه)، فالبحث عن مفهوم للشعر يوظف مفردات الحياة سيكون باختبارات أخرى لمفردات هي بمثابة القبض على الجمرة كما يوجهنا الشاعر في خاتمة قصيدة قال المعلم (عندما تنسى الحياة حياتها/ وتفر/ من كل الزوايا/ سترى اخضرار الصبح في وجه المرايا/ فيشع في وجناتهن الجمر من شوق الدفاتر/ حينها – وان استطعت - / خذ جمرة/ لتصير شاعر ... ).
إن هاتين القصيدتين ونقصد قصيدتي (مدخل وقال المعلم) بمثابة العتبة الجمالية والمعرفية التي تأسست عليها رؤية الشاعر لمفهوم الشعر، وبمعنى آخر هما تضمين للادراك الواعي الذي اشتق الشاعر من خلاله رقعته المعرفية لفهم الشعر بوصفه نتاج قلق معرفي، او كما يخبرنا معلم الشاعر الذي يعد الترميز الربوبي لماهية الشعر هو القبض على الجمرة التي سنعثر على تشظياتها داخل متون المجموعة في مفردات الثورة والاسئلة القلقة عن الحياة والسأم الذي يلازم الشاعر من مفردات الحياة التي تؤسس لبطلانها، وما الحياة في تصورات الشاعر الا الشعر نفسه فهو التضمين الوجداني الأكمل لمفرداتها؛ لذلك فالحياة والشعر في سياق هذا التلازم هما الجمرة التي يجب القبض عليها.