رهان الفردية الخاطئ

ثقافة 2021/03/29
...

 عادل الصويري
ثمة خلط يمارسه أصحاب المجالات الإبداعية ــ الأدبية تحديداً ــ بين رؤيتهم المتعلقة بمنجزهم والتي قد يذهب غالبيتهم إلى أنها فردية تمثل مشروعاً شخصياً ليس بالضرورة أن تعبر عن رأي وتوجهات الآخرين، وبين دورهم كمثقفين ينبغي أن يكونوا فاعلين في مجتمعاتهم على صعيد المواقف من الأحداث، وهذا يعني أن الثقافة ستكون عبارة عن توتر بين الوعي بالواقع من جهة، وبين الذهنية المتفاعلة مع الدور الثقافي في حال كان هناك دور أصلاً.
الخلط يكمن في تسرب الفردية المتعلقة بالمنجز الإبداعي إلى دوره في الحياة عموماً، الأمر الذي يجعل من فرديته سلالم يرتقيها ليصلَ إلى عزلة تبعده أكثر وأكثر عن واقعه وعن هم مجتمعه العام، وتجعله مثار تساؤلات الآخرين عن جدواه متمسكاً بفرديته التي تختصر الثقافة بوصفها مجموعة كتب ونظريات غير قابلة لتفعيل عناصر تنهض بالفكر والمعرفة من سباتهما العميق والمخيف.
أعتقد أن هذه الفردية مرتبطة بالتصورات الخاطئة للفاعلية الثقافية. والتصورات الخاطئة هذه تدور على محور يتعلق بحالة اليأس والاحباط التي تلازم المثقفين وكأنهم في "حالة انكشاف وَتَعَرٍّ أخلاقي وقيمي "على حد تعبير الكاتب والباحث اليمني (مصطفى البكيري)، الذي يعتقد أن من الصعوبة على مجتمعات تعيش الأزمات السياسية والأخلاقية أن تقدم تعريفاً أو معنىً لوصف المثقف.
وبطبيعة الحال، فإن الاغتراب الثقافي هو الأقرب لواقع المثقفين اليوم، والذي يجعلهم ميّالين للفردية الناتجة عن تشظي الهوية الثقافية بين موروث وحداثة، وبين سلوك المثقفين الذين يدعون الحداثة في المقاهي والندوات، بينما نراهم أقرب للبداوة في أماكن أخرى.
وقد تنتج عن هذه الفردية تداعيات تستغلها الجهات التي ستستثمر انزواء المثقف؛ لتمارس منهج التجهيل بالمعرفة، فيتفشى الخدر الثقافي والفكري في صفوف المجتمع، وقد تكون التداعيات أشد في حال انخرط المثقفون في مشاريع التجهيل التي لن تضر بفرديتهم، بينما قد تعود عليهم هذه المشاريع بالفائدة كونهم ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا سلعاً جاهزة لترويج التجهيل.
ماذا عن التشريعات التي تُمَكِّن الثقافة من التنفس 
المستقل؟
سؤال لا بأس من طرحه طالما أننا في واقع يقول 
بدولة لها سلطة تشريعية تشرع القوانين، وأخرى تنفيذية تنفذ بشكل عملي ما يتم تشريعه من قوانين على جميع 
الصعد، فهل نستطيع الضغط على ممثلينا في السلطات التشريعية، من أجل تشريع قوانين تضمن استقلالية الثقافة والمثقف؟
ليس الأمر صعباً في حال توفر الرغبة في تقديم ثقافة حقيقية، ولعل أبرز ما يتم تشريعه من قوانين بهذا الصدد هو قانون حق المثقف في التفرغ لمشروعه الابداعي شريطة اتصاله 
بالهم العام، وليس المشروع الذي يكرس الغموض الذي لا يقدم شيئاً ذا قيمة، بل ويمكن استحداث مؤسسات معنية بهذا المشروع، على أن نكون بعيدة عن أي شكل من أشكال الاستقطابات.