لويس أرمسترونغ يتذكّر ..؟ كيف نجا من وباء الإنفلونزا عام 1918

ثقافة 2021/03/29
...

  تيد غيويا
  ترجمة: جمال جمعة
ولِد لويس أرمسترونغ وسط الفاقة في نيو أورلينز عام 1901، ونشأ خلال بعض سنوات الفصل العنصري الأشدّ وحشية في الجنوب، وعاش لأول مرة مع جدته، وبعد ذلك في "دار الأطفال الملونين" بعد أن ترك المدرسة في سن 11، ثم مع والدته وأخته في بيتٍ كان من الصغر، بحيث توجب عليهم النوم في السرير نفسه. بعد أن عانى بالفعل خلال الحرب العالمية الأولى، استمر في كونه شاهدًا على وباء الإنفلونزا الإسبانية، والكساد العظيم، والحرب العالمية الثانية، والحرب الباردة، والستينيات المضطربة، وصراع فيتنام.
كان هذا كثيرًا على حياة واحدة، على الرغم من أن أرمسترونغ كان في شطر كبير منها نجمًا وأسطورة حية، تغلبت على الصعاب وارتقت فوق أصولها بالإرادة والموهبة. 
ومع ذلك، فقد قاسى من بعض التقلبات العاصفة خلال الأوقات الصعبة، حيث قام بجولات كثيرة جدًا لتغطية ديونه في 
مرحلة الثلاثينيات العجفاء، على سبيل المثال، حتى أنه جرح شفتيه وأصابعه، وأخيرًا انتقل إلى 
أوروبا عندما طارده رجال العصابات.
إن توصيفات أرمسترونغ لتجربته مع جائحة إنفلونزا عام 1918 (والتي يذكرها في مذكراته الصادرة عام 1954 تحت عنوان: ساتشمو: حياتي في نيو أورلينز) تبدو مرحة تقريبًا، لكنه يتذكّرها من منظورِ موسيقيٍّ يبلغ من العمر 17 عامًا، يتمتع بصحة متينة ويبدو أنه يمتلك نوعًا من المقاومة تجاه الإنفلونزا.
لم يخصص أرمسترونغ أكثر من فقرتين للإنفلونزا التي ضربت المدينة بشدة في أكتوبر من ذلك العام. 
ووفقًا لموسوعة الإنفلونزا، وهو مشروع عبر الإنترنت يوثق الإنفلونزا في الولايات المتحدة بين عامي 1918 ــ 1919، فإن سلطات مدينة نيو أورليانز "تصرفت على الفور" بمجرد أن اكتشفوا تفشي المرض، الذي وصل عن طريق سفينة شحن في الشهر السابق.
في التاسع من تشرين الأول (أكتوبر)، أمر مدير الصحة في نيو أورلينز، "بموافقة رئيس البلدية مارتين بيرمان ومباركة سلطات الدولة.. بإغلاق جميع المدارس (العامة والخاصة والأَبرشيّة، وكذلك الكليات التجارية) والكنائس والمسارح ودور السينما، وأماكن الترفيه الأخرى، كما حظر التجمعات العامة مثل المسابقات الرياضية والجنازات العامة وحفلات الزفاف.
بالنسبة لموسيقي شاب يكافح لكسب رزقه من العزف في النوادي والمراكب النهرية، فإن إغلاق 
"أماكن الترفيه الأخرى" كان له أثر خطير. 
يبدو أن فقدان مصدر الرزق هو أكثر ما أضرّ بأرمسترونغ عندما 
عاد إلى المدينة من جولته، وما زال غير متأكد مما إذا كانت الحرب العظمى "الحرب العالمية الأولى" ستنتهي.
عندما رجعتُ من مدينة هوما كانت الأمور أصعب بكثير. كانت أعمال كايزر المشبوهة تزداد سوءًا، والأكثر من ذلك، ثمة وباء إنفلونزا خطير قد ضرب نيو أورلينز. 
كان الجميع يتساقطون به، ما عداي. كان ذلك لأنني كنت ذا ذهنية روحانية. لم أفوّت أسبوعًا واحدًا بدون روحانية، وهذا ما أبعد عني كل أنواع المرض.
مهما كانت "الروحانية" التي ساعدت أرمسترونج على تجنب العدوى، فلم يكن ذلك بسبب قلة تعرضه للعدوى. فبدلاً من العزف على البوق، شرع في رعاية المرضى، لأن جميع المستشفيات، حتى تلك التي تستقبل المرضى السود، كانت مكتظة تمامًا.
بمجرد ما كانت الحكومة على وشك السماح لحشود الناس بالتجمهر مرة أخرى حتى نتمكن من العزف على أبواقنا مرة أخرى، حتى ضيّق الحظر الرسميّ الخناق أشدّ من أي وقت مضى. أجبرني ذلك على تولّي أي وظائف غريبة يمكنني الحصول عليها. 
وبما أن كل فرد كان يعاني من الأنفلونزا، فقد توجب عليّ العمل ولعب دور الطبيب لجميع أفراد أسرتي وكذلك جميع أصدقائي في الحي. وإذا كنت أقول ذلك، فلأنني قمت بدور جيد في علاجهم.
قد نتخيل أن بعض هذه "المهن الغريبة" كانت ما ندعوها الآن "أساسية"، أي: منخفضة الأجر وعالية المخاطر في ظل هذه الظروف. 
لقد ثابر وحصل أخيرًا على حفلة عزف موسيقية في حانة "هونكي تونك" التي تفادت الإغلاق لأنها كانت "من الدرجة الثالثة"، و"يمكنه عزف الكثير من موسيقى البلوز للبغايا الرخيصات والمحتالين". أشياء قليلة يمكنها أن تتسبب في ترجّل "ساتشمو"، وكما يبدو، ليس حتى جائحة إنفلونزا، وهذا من حسن حظ مستقبل الجاز. 
لكن، ليس علينا تخيّل مدى صعوبة ذلك بالنسبة له، علينا فقط إلقاء نظرة على ما حولنا.
 
Open Culture