الدلالة بين الأصل والتمرحل

ثقافة 2021/03/29
...

د. حسين القاصد
كل شيء في الحياة يعتمد على العلامة، والعلامة هي أول الكلام، والمفردة وعاء المعنى، والمعنى هو نبض المفردة، فالألفاظ بلا معنى لا قيمة لها، اذ لابد من رسالة ومرسل ومرسل اليه، والرسالة هي الكلام والمرسل هو المنشئ والمرسل اليه هو القارئ، وهيكل الرسالة يتكون من مفردات، والمفردات تعني الكلام، ذلك لأن التلفظ هو الحالة المحايثة للتكلم فلا كلام بلا نطق، واللفظ عند العرب هو إخراج الشيء، فيقال: (لفَظ الشّخصُ: أخرج ورمى ما في فمه من ريق وغيره، ولَفَظَ كَلِمَةً: نَطَقَ، تَكَلَّمَ بِهَا)، وهذا يعني ان التلفظ هو عملية التكلم نفسها، أو عملية 
تحقيق الكلام وانتاجه، فالكلام هو الملفوظ والملفوظ هو نتاج اللفظ  وهو إنجاز القول بشكله المتعارف لفظا ومعنى.
لا شك أن الشاعر مدرك تماما بأن الاستعارة ليست مهارة بلاغية او شيئا من التشبيه ولا حتى أي انزياح يسهم في خلق نوع التخييل بواسطة اللغة، انما هي - أي الاستعارة - عملية تحويل واحالة من حالة ثابتة الى متخيل قريب متفق عليه بمديات ذهنية محسوسة ومحسوبة في آن واحد، وهذا التحويل يحتاج الى مشتركات كثيرة بين المرسل والمرسل اليه لكي تتم عملية التواصل على أكملوجه.
فاللغة هي أهم الاحتياجات الانسانية، والخطاب اللغوي يمس كل زوايا التواصل الذي تؤديه اللغة، ولو انطلقنا من أن وعي المتلقي والمعنى يخضعان ـ بعد تحقق التواصل ـ لمشترك ثقافي ومعرفي واحد، سنصل الى أننا أمام تمرحل المعاني وتغير المعجم اللغوي المشترك او تسيّد 
بعض المفاهيم الايديولوجية التي تمارس اغتصاب اللفظة وتخرجها 
من معناها الى المعنى السياسي الجامد المنغلق.
يقول رولان بارت ((إن اللغة ما أن ينطق بها حتى وإن ظلت مجرد همهمة فهي تصبح في خدمة سلطة بعينها، إذ لابد أن ترتسم فيها خانتان: نفوذ القول الجازم، وتبعية التكرار والاجترار... في اللغة إذن خضوع وسلطة يمتزجان بلا هوادة))، وإذن هي لغة صاحب الأمر الواجب الطاعة ومن هنا، نرى عند العرب، أن فعل الأمر لا يكون (أمراً) إلا اذا كان ممن هو أعلى رتبة ومنزلة الى من هو أدنى، كأن تكون من السلطة الى الشعب، ومن المدير الى موظفيه، بينما تخرج بقية أفعال الأمر مخرج الدعاء والالتماس، فاذا كانت من أدنى الى أعلى، صارت دعاءً، واذا بين شخصين بالمنزلة نفسها صارت التماسا، هكذا - تماما - كما يذهب رولان بارت الى ان اللغة تخضع للسلطة وتكون من أهم أدواتها.