موت الرجل الوحيد!

الصفحة الاخيرة 2021/03/30
...

جواد علي كسّار
لا أميل إلى العناوين الطويلة، لأن تقنيات العمود لا تتحمل أكثر من كلمتين أو ثلاث، وهذا ما أحرص عليه، وإلا فالعنوان كاملاً، هو: «موت الرجل الوحيد على الأرض!» وهو رواية لنوال السعداوي.
لقد أردت من العنوان اطلاق إشارة كبيرة إلى نوال السعداوي، التي غادرتنا الأسبوع الماضي وهي تحمل على أكتافها تسعة عقود، أمضت أغلبها بين العمل العيادي الطبي في مجال النساء، والنشاط المعرفي في حقلي السياسة والاجتماع، لاسيما المرأة، إذ بدأت معاركها حيال قضايا المرأة باكراً، ولم تهدأ أو تكفّ عنها حتى أواخر حياتها.
تعود معرفتي بكتابات السعداوي وآرائها إلى أكثر من أربعة عقود مضت يوم كنت لا أزال طالباً في الثانوية، لكن القراءة المنهجية المنظمة لكتبها بدأتها أوّل ثمانينيات القرن المنصرم، عندما قرأت لها دفعة واحدة، كتبها الثلاثة الأبرز: "الوجه العاري للمرأة العربية"، "المرأة والجنس"، "الأنثى هي 
الأصل".
ما يلفتُ النظر في شوط حياة السعداوي العملية والمعرفية، هو المثابرة الصبورة والإصرار العنيد على فتح ملفات لها صلة مسيسة بمشكلات المرأة العربية، وهي تفعل ذلك بصراحة وجرأة، وتزيح الستار عن مناطق معتمة في حياة المرأة وواقعها، من دون أن يعني ذلك تطابقاً مع آرائها وتحليلاتها، إذ لا معنى للتطابق ولا ضرورة له في قضايا إشكالية شائكة مثل قضايا المرأة في مجتمعاتنا، بل الأصل أن تعترك الآراء وتختلف وجهات النظر وتتباين 
الحلول.
لم تكن السعداوي معرفية متخندقة في مكتبها، بل صاحبة عقيدة متواصلة مع محيطها، ومناضلة تنافح عن قناعاتها حدّ دخول معارك فكرية وسياسية لا تنتهي، وقد دفعت ثمن ذلك خصومة وتهماً وسجونا، خاصة مع إصرارها على الجزمية والتعميم، ونبرة الخصومة بل معاداة 
الرجل!
كان آخر ما استمتعت بقراءته من كتبها، هو «رحلاتي في العالم»، قادتني فيه إلى مُتعٍ عن الناس والمجتمعات والإنسان، وهي تطوف بلدان العالم!.