السيد محمد باقر الصدر.. من العالمية الى المحلية

العراق 2021/04/05
...

ابراهيم العبادي
 
الثامن من نيسان عام 1980، لم يكن يوما عابرا في تاريخ العراق الحديث، ففي ذلك اليوم قتلت سلطات البعث السيد الشهيد محمد باقر الصدر (1932 - 1980)، فخسر العراق والعالم الاسلامي، علما من اعلام النهضة، ورمزا من رموز التحديث الديني، وداعية كبيراً للمشروع الحضاري الاسلامي الذي دعت اليه وبشرت به رموز كبيرة كان الصدر ابرزها.
نظر البعث الشوفيني الى الصدر بوصفه تهديدا سياسيا  وتحديا سلطويا، ولم يرتق العقل الامني المهجوس بالصراع الوجودي الى ابعد من ذلك، فاستسهل التخلص من مفكر كبير، وصاحب نهج فلسفي مثير، يحتاج  العراقيون والعرب والمسلمون وغيرهم الى عطائه الكبير، لكن ذهنية القتل والاستئصال السلطوية اوقفت هذا العطاء المتجدد، ووضعت نهاية لحوار فكري جاد، انطلق من النجف ومن مدرستها الفقهية والفلسفية تحديدا، لمقاربة اشكالية (التخلف)، مع ملاحظة اخفاق مشاريع النهوض التي تداولت على رفع رايتها تيارات عديدة، ابتداء من الاصلاحية الاسلامية التي كان من رموزها جمال الدين الافغاني (1838 - 1897) ومحمد عبدة (1849 - 1905)، الى الوطنية الدستورية، ولاحقا الى الانقلابية الثورية بشقيها اليساري الماركسي واليسار القومي، ثم الاسلامية التغييرية الراديكالية.
اين يصنف محمد باقر الصدر في طول هذه السلسلة؟ واين تكمن اهمية عطائه الذي توزع بين مناح معرفية متعددة؟ 
يمثل السيد الصدر للعراقيين قضيتهم وطموحاتهم واحلامهم وفخرهم،  وكان لابد من ان يلجؤوا الى هذه المنهجية التي حتمتها ظروف الصراع ضد السلطة الغاشمة، بيد ان التوقف عندها  من دون مواكبة الشوط المعرفي،  اضاع القراءة التحليلية التي كانت تستوجب منهجا حواريا متفحصا لتاريخية فكر الصدر وظروف ولادته والمشاغل الفكرية التي عالجها، والقضايا التي استحوذت على اهتمامه، مع ملاحظة القضايا التي لم يولها الاهتمام الكافي او التي حاول تجاوزها واعطاء الاولوية لغيرها.
كان الصدر طاقة معرفية كبيرة، وقدرة واسعة على الدخول في حوار مع الفكر الاخر، الاسلامي والعالمي، ولو قدر له العيش عشرين عاما اخر، لأمكن التوفر على حلول معرفية لكثير من الاشكاليات التي ازدحمت فيها الحياة الفكرية في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، فمع انتصار الثورة الاسلامية في ايران وظهور ما أطلق عليه حركات الاحياء الاسلامي، صار الفكر الديني وجها لوجه مع اسئلة ضخمة بشان قضايا متعددة تتعلق بالسياسة والسلطات والحقوق والدول والعلوم والمعارف، الى الاقتصاد والادارة والتنمية، وبالجملة قضايا الانسان وصلتها بالواقع المعاصر، في عصر العولمة والتقانة، غير ان لمحمد باقر الصدر مقارباته  ذات الابداع والتركيب والتأويل الفذ، وكان يمكن لحضوره ان يشكل فارقا كبيرا، وهذا هو مكمن الخسارة العظيمة والفقدان اللذين شعرنا بهما، في لحظة ظهور مفكرين ونقاد كبار في ساحة العالم الاسلامي، كان لنقديتهم ومنهجيتهم اثر كبير حتى الساعة.
لقد كتب الصدر ما كتب، ضمن مشروع (نهضة) اسلامية لا تقتصر على تغيير الانظمة السياسية، بل بناء الانسان معرفيا وفكريا وايمانيا، انه البناء (الحضاري) الذي يستلهم القرآن والسنن الكونية والاجتماعية، ويحدث تغييرا في  المحتوى الداخلي، لينطلق المسلم في عالم الحضارة متجاوزا مسببات التخلف الحضاري ذات الابعاد المختلفة، فالصدر من طراز مفكري الحضارة، مفكر نهضوي بامتياز ومشروع النهضة ومساحة عملها اوسع من الشق السياسي والفقه السياسي، ومع ذلك فقد كانت نظرية الدولة عنده جديرة بالقراءة ثم النقد والتطوير، بل إن جزءا مهما من فكر الصدر يحتاج الى قراءة نقدية، فالقراءات النقدية هي ما يخدم المفكر والفيلسوف ورائد النهضة ويجدد مشروعه ويحيي جوهر الافكار التي ابدعها وضحى بحياته من اجلها.