ما حصيلة التغيير الثقافي في المجتمع؟

ثقافة 2021/04/08
...

   استطلاع: صلاح حسن السيلاوي
 كل تغيير سياسي يحدث تغييرات كثيرة في سياقات الحياة بشكل عام، لأن السياسة تمثل مصنع القرار والمشرف على إدارته التنفيذية، ولهذا فالتغيير السياسي متبوع بمثيلات عديدة له، نتساءل هنا عن مثيله الثقافي، كيف يرى المثقف العراقي ما لمس من جوهر ومظهر الحياة الثقافية بعد 2003 حتى الآن.
 هل نجح السياسي بقراراته والمؤسسات الثقافية بفعالياتها والنخب المستقلة بصناعة سياقات ثقافية تؤثر في المجتمع وتصنع في ذهينته خطاباً انسانياً قادراً على تسيير الحياة وفهمها فهماً سليما؟، هل أصبح الخطاب الثقافي العراقي معبّراً عن إشكاليات الواقع وتحديات الحاضر؟، ما ميزات الخطاب الثقافي بعد
 التغيير؟. 
أين تكمن أهمية هذا الخطاب؟، هل سعت الدولة الى التأثير بمواطنيها من خلال الثقافة ومفرداتها؟، وهل استطاعت النخب النجاة من فخاخ الطائفية والعنف؟، هل نملك تغييراً ثقافياً حقيقياً على مستويات النصوص الإبداعية والفعاليات الفنية، مسرح، سينما، وتلفزيون، وموسيقى،
 وغناء؟.
 
ضبابية المشهد العراقي 
الشاعر نصير الشيخ يرى أن ماجرى بعد سقوط الطاغية صدام عام 2003، لم تتضح صورته بادئ الأمر، وذلك بسبب اللبوس المستعجل الذي ارتدته الحياة العراقية بضواغط المشهد السياسي وأذرعه (التكتلات، التحزبات، التخندق الطائفي والفئوي) والذي امتلك قوة المال وسطوة السلاح، مما راكم من ضبابية المشهد العراقي برمته، والطامح لحياة حرة كريمة بعد أزمنة الدكتاتورية
المقيتة.
وأضاف الشيخ قائلا: كان السياسي مؤثرا جدا في قراراته، والمؤسسات الثقافية في وقتها تتنفس في قصبة.. وإن حدث هناك مهرجان ادبي او فعالية ثقافية او مؤتمر لصياغة رؤية مستقبلية للثقافة العراقية، لكنها لم تصنع خطابا موحدا وظل الأدب عنوانا متفرداً في خطاه، يصنعه الحالمون به والمسطرون أحرفه. ذلك أن ستراتيجية صناعة خطاب ثقافي عراقي لم تدوّن كأثر.. ما دام الفعل السياسي وهيجانه مسيطرا على المشهد الحياتي
 برمته.
أما نظرة المثقفين والكتاب والإدباء الحقيقيين فهي دائما على المحك مع الفعل السياسي وأدواته الضاغطة، وقد سعت وتسعى دائما للتملص من رقبة هذه الضغوط في كل الأزمنة، ومن ثم تأتي فعالية رفض الهيمنة بكل أشكالها الفئوية والحزبية وعقلها التكفيري. ذلك أن المبدع الحق هو الصانع الأمهر لخطابه الجمالي على مدى
العصور.
 
التخلص من فخاخ الطائفيَّة 
الناقد زهير الجبوري أشار إلى أن كل مرحلة من مراحل الإبداع الأدبي في العراق يظهر الأدب فيها على درجة مائزة، وهذا ينطوي على قدرة الأديب في خلق إبداعه بشكل شخصي. لافتا إلى أنه على مر السنوات هناك شريحة تنتمي إلى الايديولوجيا وأخرى معارضة، ومن خلال ذلك يظهر الإبداع بوصفه نتاجا أدبيا
 بحتا. 
وقال أيضا: أما بخصوص نجاح المثقف في صنع قرار خاص به يزاحم السياسي فإنه غير مؤثر لأن الساحة السياسية بما تمتلكه من قدرة على فن الإدارة واللعب بمصير الشعب تجعل من المثقف بعيدا كل البعد عن قراراته.. أما مميزات الخطاب الثقافي بعد التغيير فقد اتضح من خلال نتاجه لا من حضوره الموازي للقرار الحكومي، وهذا الشيء لا يعطيه الفرصة في المشاركة بأي شيء مصيري.. النخب الثقافية استطاعت التخلص من فخاخ الطائفية لأنها تشتغل في منطقة الإبداع لا في منطقة الانتماء العرقي أو الطائفي أو الديني بشكل عام.. وعلى مستوى النصوص نمتلك اختلافا يوازي النصوص العربية والعالمية لسبب جوهري هو أن الأديب تواصل مع الثقافات الأخرى وكانت لديه بصمة واضحة في الفنون
 كافة.
 
مسح سخام الفشل 
الشاعر نبيل نعمة اكد بإجابته على احتمالية اتفاقه مع ما يصاحب التغييرات السياسية من تغييرات مؤسساتية، في ما لو كان التغيير يبدأ من الجذور من الأسس التي تقف عليها الدولة لصنع ستراتيجية محددة وواضحة المعالم للادارة، إلا أنه يرى أن ما حدث في العراق تحديدا بعد عام 2003 لم يكن تغييرا بالمعنى الدقيق، بل كان تحديثا لنظام تغلل لأكثر من خمسة عقود في جسد المجتمع أولا وفي البنى الحاكمة ثانيا، ربما يكون انقلابا لكنه لم يكن مدروسا بشكل جيد كي يستهدف المتغير، ويقصد نعمة هنا المجتمع والمؤسسة. 
وقال كذلك: الإنسان العراقي بعد 2003 كان منكسرا مخذولا ويعاني، والتحديث الذي حصل في نظم الدولة المنهارة وتحولاتها من الاشتراكية الى الرأسمالية، ومن حكم الفرد والسلطة الدكتاتورية الى مشاركة الأحزاب وما يسمى بالديمقراطية شارك في التعمية على وجود المواطن العراقي في بلد له هوية وتاريخ وجذور تمتد لاكثر من سبعة الاف عام. هذا يقودنا للحديث عن فشل في صناعة الدولة، عن تهميش لدور المؤسسة القائمة بالأساس على الإنسان وليس على النظام. 
حتى المؤسسة الثقافية التي كان يجب أن يكون لها دور أساس ومركزي في عملية التحديث تلك، كانت على الهامش دائما، وتدار بطريقة رخيصة لا تستند إلا الى رؤية الحزب أو المكون، بالنهاية صار عمل وزارة الثقافة مسح السخام عن فشل الحكومات ذات الوجه المتسخ.
 
أدب بمختلف الرؤى والاتجاهات
الشاعر الدكتور وسام العبيدي قال: لمن يُتابع بإنصاف مسيرة العطاء الثقافي بعامة في العراق والأدبي بخاصة، بعد سقوط الطاغية صدام، يجد ثمة ملاحظات جديرة بالوقوف عليها في هذا السياق، لعل من أبرزها أنّ مُجمل تلك الخطابات انعتَقت من رِبقة الرقيب ذي “السلامة الفكرية” التي ارتَهنت بسلامة النظام في الأصح من أي محاولة اختراق غير مباشر لثقافته القمعية، وهذا يُمثّل الإنجاز الأبرز الذي تحقق في تلك الخطابات، فالنصوص الأدبية التي صدرت بعد 2003 وإلى الآن على اختلاف أجناسها، احتفت موضوعاتها بمختلف شؤون الحياة
العراقية. 
وتناولت أبرز إشكالياتها العَقَدية أو الفكرية أو الاجتماعية، ومثلُ هذا الإنجاز - برأيي- يُضفي قيمة للثقافة بشكلٍ عام، إذ يجعلها ذات قيمة في صنع رأيٍ وقناعات قد لا تنسجم جميعها والإطار الفكري والثقافي الذي يمثّل قناعات الدولة وطروحاتها، بقدر ما يمثّل توجّهات النُخب الثقافية المُختلفة المعبّرة عن اختلاف رؤى وتوجّهات شرائح المجتمع العراقي، وفي تقديري أنَّ أدبًا تنعكس فيه مختلف الرؤى والاتجاهات والأذواق، لهو جديرٌ بأن يكون محلّ احترام الآخرين
 وتقديرهم.
 
خطاب ثقافي فوضوي 
الشاعر حاتم عباس بصيلة قال: لا أرى في حقيقة الامر جوهرا ثقافيا كبيرا يضاهي ما كان عند المثقفين الرواد في فترات سابقة كانت متأخرة تقنيا ولكنها كانت أكثر تطورا من الناحية الجوهرية والانسانية للثقافة الرصينة القائمة على جوهر الابداع الخلاق وجوهر الموقف الاخلاقي من الحياة الثقافية.
الخطاب الثقافي العراقي في بداياته الاولى للتعبير عن الكارثة العراقية واشكاليات الواقع في خضم الصراع والتناقض بين القوى البعيدة عن الهم العراقي إلا ان الشباب الثوري الجديد ينبئ بخطاب ثوري خاص بالمرحلة، ومع هذا فان الخطاب الثقافي يتسم بالفوضى المرتبكة والتغيير لم يفعل شيئا فهو امتداد لمرحلة الدكتاتورية بدكتاتورية فوضوية متحزبة وطائفية، النخب الثقافية تقترب دائما من السلطة ولكن القوى الثقافية الشعبية أدركت خطورة العنف والطائفية فرفضتها شكلا
 ومضمونا. 
 نمتلك القدرة على التغيير الثقافي على كل المستويات ولكن الابداع الخلاق يحتاج إلى وقت وإلى اصالة وقدرة على تجاوز المألوف بشجاعة الادوات الثقافية والاساليب الجمالية، ولايمكن ان يكون ذلك إلا بالصدق في التعبير الجمالي ووعي الاصالة الحقة واحترام التاريخ الثقافي المشرق في
 الابداع.