قاسم موزان
مشهدية سقوط صنم صدام في ساحة الفردوس في 9/ 4 ، شكل صدمة عنيفة في الوعي الفردي والجمعي على جميع المستويات، برمزيته ومحمولاته الواقعية، وكان سقوطا مدويا لم يتوقعه حتى المتفائلون، بضرورة زوال السلطة الغاشمة، كونها جرت بهذه السرعة الفائقة، لأنه ايضا كان نظاما قاسيا بحق ابناء شعبه في الممارسة والسلوك الاجرامي والمدافن السرية، وضرب الآمنين بالأسلحة الكيميائية، إمعانا في القسوة والتخويف، فقد كانت الاسئلة تثار، ومنها ما هو متعلق بسر استمراره في التسلط القسري، الذي شمل الجميع، لقد شن حربا مدمرة استمرت لثماني سنين عجاف، كلفت العراق ثمنا باهظا، التي كان من الممكن توظيفها في مشاريع التنمية والبناء والاستثمار، وما ان انتهت تلك الحرب، حتى اقدم على غزو الكويت وضمها الى سلطته المرعبة، ونهب موجوداتها وتاريخها الحضاري والانساني، قبل وبعد انسحاب قواته المذل من الكويت، ليجد العراقيون انفسهم امام العقوبات الاقتصادية، التي استمرت طويلا، الى درجة الانهاك الجسدي والنفسي.
ولم تتوقّف الاسئلة عن الاحتراق بعد زوال النظام مباشرة، حيث طرح تساؤل جديد، كيف تسنتالجماعات الارهابية الوافدة من كهوف " تورو بورو" أن تتسيد المشهد العنفي في العراق، وتفرض اشتراطاتها، وكأنها البديل الشرعي للنظام السابق؟ لماذا أخذ الشعب مرة أخرى يدفع فواتير حرب مفتوحة، واصبح المواطن مشروع قتل جديد بتحريك النفس الطائفي المقيت وأرجحية هذا الطرف على الطرف الآخربمزايا وهمية؟.
لكن على الجانب الآخر ولأن الاسئلة لا يراد لها ان تحترق، كانت هناك عملية سياسية على الرغم من كل التحديات الارهابية والتجاذبات السياسية، فقد اجريت انتخابات ديمقراطية شهدها العراق وانبثق من صناديق الاقتراع اول برلمان وطني، وفق حلم تلبية حاجات المجتمع الاساسية والتوق للتغيير، ليكون الاحتراق مدويا ايضا لأن الأجوبة كانت مخيبة للآمال بدوراته المتعاقبة، ويكون السؤال الاكثر احتراقا، ( لماذا) مع تصاعد العمليات الارهابية سواء في مرحلة القاعدة او داعش أو العصابات الاخرى وما قبلها، وضاعت ثروات العراق بأيادي حفنة من السراق، وقد شكلوا دولة موازية مرافقة للدولة الاصل، او ما يسمى الدولة العميقة حيث غسل الاموال والتعامل بسوق العملة والصفقات ـ كل ذلك بالتنسيق مع جهات معروفة، لكي تحمي وجودهم، وفي الوقت ذاته تهدد أمن واستقرار البلاد، مرة اخرى يتساءل المواطن، كيف تسلل هؤلاء الى مفاصل الدولة، ليعبثوا بأموالها والسطو عليها؟ لماذا أعطى سياسيو الصدفة بأدائهم السيئ الفرصة للبعض المتضرر من زوال النظام لترميم صورة صدام وتلميعها، مستغلين بذلك تنامي الشجب الداخلي للمواطن من تردي الأوضاع الاجتماعية والخلافات السياسية؟ ولماذا يجري كل هذا وغيره في العراق تحديدا؟.