أزمتنا مع الآخر

آراء 2021/04/10
...

 كاظم الحسن
 
 
إن الكثير من القضايا والمسائل المتعلقة مع الآخر، تؤسس من خلال قاعدة كبرى، لتنتقل الى ما هو متفرع، على جميع أصعدة الحياة. وتلعب طبيعة علاقتنا مع الآخر من خلال المنظور الديني دورا كبيرا في رسم جغرافية العلائق، بكل صورها ومنها المأزومة على صعيد تكفير الآخر واقصائه وتهميشه. ولما كان منطق العلاقات قائما على صعيد المصلحة وان مقولة لاعدوات دائمة بل مصالح دائمة، هي السائدة، والخيار الذي يحكم العالم اليوم، هو التعايش والتفاهم؛ لذا فإن الاتحاد الاوروبي قد أخذ بهذا المنحنى، على الرغم من الكثير من التباينات والاختلافات العرقية والمذهبية واللغوية. وعندما تكون الهوية قائمة على التعدد منفتحة على الآخر وتشكل اساسا صحيا متينا، من اجل بناء علاقات اكثر انسانية بشكلها النسبي وخلق مجتمع مفتوح قادر على تجاوز أزماته من خلال انفتاحه ودخوله دورة التاريخ المتحركة باتجاه المستقبل والتحرر من الماضي، بعقده وترسباته وأغلاله التي تعيق عملية انصهار الانسان في بيئته المحلية والدولية. يقول المفكر جورج طرابيشي :(ان الجدوى في صياغة (سؤال من نحن)؟، تتمثل في تفادي السقوط في الثقافوية التي تؤدي اما الى التمجيد والنرجسية الفارغة او الى التعصب والعنصرية، وفي كلتا الحالتين ستكون النتيجة هي التقهقر والتطرف  فكرا واجتماعا، وان التمترس بالذاتية والهوية في عالم اصبح يفضل التطور التقني، والفيض المعرفي متقارب الحدود متفتحا ومتداخلا ومتشابك العناصر والهويات يؤدي الى التطرف والغاء الاخر). 
إن العالم الذي نعيش فيه تحكمه حقيقتان ظاهرتان للعيان وهما: ان التقارب بين العالم اصبح يسيرا.. اما الحقيقة الأخرى فهي أن إلغاء الآخر ونفيه، سوف يبيح لمن يمتلك اسلحة الدمار الشامل استعمالها ضد العدو، ومن المعروف ان هذا النوع المدمر من الاسلحة، لن يترك للجنرالات الوقت للاحتفاء بالنصر. هذا اذا افترضنا في أحسن الاحوال او الاوقات، بقاء البشرية على قيد الحياة.. فلقد صرح جنرال في احدى الدول النووية، ان لديهم من اسلحة الدمار الشامل مايكفي لقتل ما في الكوكب الارضي من بشر وكائنات حية مئات المرات. لذلك لم يعد ثمة خيار للبشرية، غير التعايش وقبول الاخر وخلع البدلة العسكرية والتوجه الى معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية المتزايدة في عالم اصبح فيه الخطر الديمغرافي، ماثلا للعيان. والان نعيش في شرق اوسط يعج بالصراعات والنزاعات والحروب بالوكالة، وهذا ماجعل العديد من الدول، تعيش ازمات خانقة، مع انهيار في العملة المحلية وتضخم متزايد يفرغ جيوب المواطن من وسيلة الصرف اللائقة، التي تحفظ كرامته.