ريسان الخزعلي
في ستينيات القرن الماضي، كان للفنان الراحل علي الأطرش (كَعود) برنامج إذاعي شعبي بعنوان (على احصان الطاير)..، يُتابع بشغف من قبل المستمعين. وقد كان (كَعود) ومن على حصانه الطائر يتجوّل بين المدن العراقية وينقل مشاهداته عن الواقع: الاقتصادي، الاجتماعي، السياسي، الخدمي، وكل ما لهُ علاقه بحياة الناس. وكان لذلك البرنامج أكثر من صلة ارتباط ذكيّة ببرنامج الراحل (أبو كَاطع) الذي يحمل عنوان (احجيها بصراحه يابو كَاطع) إذ ينشغل الاثنان بهموم العراقيين، بعيداً عن الطائفية
طبعاً.
مرّة هبط (كَعود) على مطعم شعبي لتناول الإفطار بعد عناء التجوال، وقد طلبَ (شوربة) بعد أن عرف سعرها (100) فلس يومذاك. إلا أنه وخلال تناوله الإفطار الشهي! وجد في الصحن قطعة صغيرة من يشماغ، فما كان منه إلا أن يُنادي على عامل المطعم ليخبره بالحالة، معتقداً بأنّه سيُبدل له الوجبة، لكنَّ العامل ردَّ عليه، وباللهجة الشعبية: عمّي انتَ دافع 100 فلس قابل اتريد يشماغ كامل؟..، وفي اليوم التالي أُذيعت الحادثة من على الحصان
الطائر.
ومن نوادر (كَعود) القصدية حين كان يعمل في الموانئ العراقية، وقد كانت الإدارة تُوزّع في كل عام أحذية سلامة على العاملين، وصادف أن حُجب التوزيع في أحد
الأعوام.
وصادف كذلك أن أُقيمت ندوة موسّعة للمنتسبين بحضور المدير العام لمناقشة واقع العمل في الموانئ. وعندما فُتح باب النقاش استعجل (كَعود) دوره في الحديث مخاطباً المدير العام باللهجة الشعبية: أشو إنتم كل سنة تنطونه أحذية، هالسنة أكلتوهن علينه، شنهو السبب؟..، فلم يتمالك المدير العام نفسه من الضحك، وقد ضجّت القاعة بالتصفيق لهذه اللقطة المهنية الساخرة التي كانت في جوهرها مطالَبَة من أجل المنتسبين. وفي اليوم التالي أُذيعت هذه الحادثة من على الحصان الطائر من دون تردد وبطريقة تمويهيّة
موحية.
لم يستمر البرنامج طويلاً، وقد أُغلق بعد أن تهكّم على خسارة جمال عبد الناصر في حرب 67 وأسماه (إمعيجل) مما أثار حفيظة الحكومة يو
مذاك.
الفنان/ علي الأطرش/ بحصانٍ طائرٍ كان يشاهد حال المدن العراقية ويُذيعها من خلال برنامجه، ويُحسب لما يقوله الحساب..، فهل بنا الآن حاجة لحصان آخر.