ابتداع لا مصنوع

ثقافة 2021/04/12
...

  ياسين طه حافظ 
 
في الدراسات العروضية ترد كلمة «مصنوع» وهو ما لم يأت به أحد آخر غيره ولم يرد على السن الشعراء في ما نظموا من شعر. من امثلة ذلك الضرب: مستفعلان
 
إذا ذممنا على ماخيّلت
سعد بني  زيد وعمرا من تميم
 
فالعروض ما خيّلت: مستفعلن
والضرب: (رن من تميم)  مستفعلان
وهنا نسأل؛ ليكن كما قيل لم ينظم عليه  الشعراء من قبل. 
وليكن ايضاً اصطنعه دارس او جامع او مفهرس، فهو من ابتداعه، او كما يقولون من صنعه، هل موسيقى البيت مكتملة؟ هل هو سليم  ومقبول والعرب لم تنظم عليه والبيت مصنوع، مثل ذلك:  مذا وقوفي على ربع خلا... مخلولقٍ دارس مستعجم.
لماذا إذاً تنكر على صانعه الفعل ونرويه كما  عن راوٍ غير مؤتمن أو قائل كذباً؟
 أنا اعلم ان مؤلف الالفية، ابن مالك، احوجته الضرورة، مثل  صاحبنا، لصناعة ابيات توافق حاجته، وسواه نوافق على رأيه أو روايته، لست في صدد هذا لكني بصدد ان ننكر على الناس أن يأتوا بجديد ينسجونه، او لحن يطلقونه مما توافر لهم من نسيج وانغام وما يشيع من تفاعيل أو آلات؟ هو لم يأت بغريب طارئ، فهي الاوزان العربية وهي التفاعيل، ولكنه من اجل معنى او من اجل تغيير قليل في الايقاع جاءنا بعروض أو بضرب فيه 
تغيير. 
لماذا نتهمه باصطناع وكأن نقول حرّف أو احتال؟ اسأل الآن لماذا لم تؤاخذوا المتنبي وهو العظيم الذي اتسع مجده، حين دخل «الحْرم» على تفعيلة فعولن، في ابتداء «الطويل» فقال:
 
وضْعُ الندى في موضع السيف بالعلا
مضرُّ كوضع السيف في موضع الندى
 
والاصل ووضع الندى، فحذف الواو وأحدث خرما، فصارت مني «وضع الـ»  اي «عولن» أو فعْلٌ؟ ثم الم يرد عند العروضيين تعبير «ضرورة  مُلجئه» او للضرورة الشعرية؟ هذه مثل تلك، ونراهما وسواهما ضرورات او تجوزات مقبولة وبعضاً من الابتداع؟ فهي احوال جديرة بالثناء لا بلمّ الوجه وتقطيب الاسارير؟
حصل لي وانا في مقتبل العمر، ان جاءت تفعيلة المتدارك بديلاً عن تفعيلة المتقارب. وكان ينبهني متخصصون اجلاء، وادعياء يرددون ما سمعوا، باني أتيت بمثل ذلك.
ثم وجدت ان عدداً من شعراء زمني يرد  ذلك في اشعارهم وان لم يعرفوا  بثقافة عروضبة تقليدية. 
لكن ان  يفعل غيرك خطأ ليس مسوغاً لك لآن تخطأ. حين طالت ممارستي وكثرت اشعاري إنتهيت الى اني لم ارتكب خطأ. فكما فعولن صارت فعل، وكم من هذا في شعر العرب إذ كانت الضرب في المتقارب مجزوءة محذوفة فَعل:
 
أمن دمنةٍ اقفرت... لسلمى بذات الغضى
فماذا تقول في «غضى» ؟ ومثال اخر:
تعفف ولا تبتئس... فما يُقْضَ يأتيكا
 
وما نقول في «تئسْ» اليست هي فَعَلْ؟ وما الذي فعلته أنا، على السليقة غير هذا؟ ما يصح في العروض بالنسبة «للعمود» اراه يصح في الابتداء في الحديث فلم يُنكَر علي ماهو اقل من ذلك من علم، ومن ادعى العلم؟ 
غفر الله للجميع.. ولتكن السماحة التي كانت لسلفنا سماحة اهلنا وناس زماننا. وأنا لست بهذا أرجو 
لطفاً ولكني أريد علماً، فما جاز 
لهم مما ذكَرنا الا لأنه لا يريك 
موسيقى وهو ليس غريباً على البحر أو الايقاع وهذا ما جرى على لساني فكتبته.
موضوعنا ليس لأدفع عن نفسي خطأَ عقودٍ مضت، أو شكاً، فكثيرة اخطاؤنا في الدنيا ويفوتنا من الصواب كثير، ولكني أريد ألا نضع ذائقتنا وفهمنا وحسّنا تحت سطوة التصانيف المدرسية والمقولات، نحتاج لأن نحترم القاعدة بأن نفهمها ونحترم فرصة السماح احياناً. 
وهي لم تسمح لو لم يكن ذلك غير 
ذي ضرر ولا يحدث ما يستنكر، 
وإلا ما ارتضوا الجوازات ولا جاء جديد.
مع كثرة ما كتب السلف وكتب الخلف في موازين الشعر والثقافة واهمية، بل دقة ما قدموه وما سوّغوه من جوازات وما ارتأوه، مما قيل اصطنعوه، لا نزال نحن اليوم بحاجة الى دراسات جديدة في موسيقى الشعر وان اتجه للنثر كثيرون، هذه حاجة اخرى لموسيقى الجملة، إن وُجِدتْ، هي لا تتقاطع ولا تلغي دراسة ظواهر الايقاعات او الاوزان في اشعار اليوم، فكل فن يحتاج الى درس جديد لمتغيراته وقواعده والى وقوف عند ظواهره، لتكون مع الحياة في متغيراتها وجديدها. 
تطور الحياة يقدم دائماً جديداً. ولكي نفهم الجديد، وجب علينا إعادة الدرس والنظر.