يضفي شهر رمضان على مجتمعاتنا الاسلامية أجواءه الروحية العابقة بالبركة والمغفرة والرحمة، فيتغير المزاج العام لدى عموم الناس وتنفتح النفس على سماع الابتهالات والموشحات والانشاد الديني، وطالما كانت النفوس تنشد بنداء صوفي لبعض الابتهالات التي رافقتنا منذ صبانا وظلت تتجول بدواخلنا، وبعد مدفع الافطار تكون لها نكهة خاصة أثناء الاستعداد لابتلال العروق التي جفت تقربا الى الله واستجابة لفريضة جعلها الله زكاة للبدن ورياضة للروح لتشعر بالم الجوع، الذي لا يعرف مذاقه الاغنياء، فتتوحد المشاعر بين العباد في هذا الشهر

 الفضيل.

فكانت ابتهالات مثل “يا اله الكون انا لك صمنا وعلى رزقك افطرنا، وانا لصيام الغد يارب نوينا، فتقبل صومنا يا رب منا..”، وهذا الابتهال الذي ابدع في تلحينه الموسيقار الراحل روحي خماش رحمه الله، طالما طرق سمعنا بعد اذان المغرب أثناء شهر رمضان، وتستجيب له مشاعرنا وكأنه جزء من طقوسنا العبادية، و نستلذ بسماعه لسنوات طويلة من دون ملل وهو يتردد بانشاد جماعي لفرقة الانشاد

 العراقية.

كذلك لابد أن نتوقف عند ابتهال الشيخ النقشبندي “ مولاي أني ببابك قد بسطت يدي” بصوته المترع بالخشوع والتوسل والشجن، وكأنها رسالة متبتل ترتقي بعفوية روحية وتصعد الى السماء، وقد ابدع في تلحين هذا الابتهال الموسيقار بليغ حمدي، في تعاون مثير للجدل بين الشيخ النقشبندي والملحن بليغ حمدي، وكان عراب هذا التعاون الغريب الذي جمع قمتين في الانشاد الديني هما الشيخ النقشبندي، والقمة الفنية في التلحين  الموسيقار بليغ حمدي، هو الرئيس المصري الاسبق انور السادات الذي طلب أن يقوم هذا التعاون الفني بينهما، ومع تردد الشيخ النقشبندي لهذا التعاون المريب، لكنه حصل بالاخير، ليتواصل بعد ذلك الشيخ مع بليغ وينتج عنه أجمل واروع ما قدم الشيخ النقشبندي من تواشيح وابتهالات، ظلت علامات مميزة في الانشاد الديني.

الانشاد الديني هو احد الروافد المهمة في الموسيقى والغناء العربي وله قوالبه وقواعده في التلحين والاداء مثل الموشحات والابتهالات والمناقب النبوية والانشاد الصوفي، وكان الفنان سابقا يهتم بهذه الالوان ويبدع في ادائها، والانموذجان اللذان ذكرناهما هما دليل على قوة وعمق مقدرة الملحن في تقديم الابتهالات الدينية المكتملة اللحن والاداء، التي رافقتنا ومازالت تغذي الجوانب الروحية فينا، في بث قيم الخير والحب والتسامح

 والاخاء.