لن أشيخ.. القرار الصامت

ثقافة 2021/04/13
...

ابتهال بليبل
 
بحذر شديد وتمعن في كل حرف وصياغة وتشكيل أود أن أدنو ببطء وتمهل من الزاوية الآمنة التي من خلالها يمكن أن أطرح السؤال المهم والمراوغ.. السؤال المعقد والجريء والمباغت.. السؤال الأهم ربما في حياة كلّ امرأة.. أي السؤال عن (شيخوخة) الأنثى من دون أن أجرح احساسها المرهف أو أتطفل بفضول بالقرب من رغبتها العارمة في اخفاء عمرها وسنواته.
سؤال الشيخوخة ليس مجرد سؤال عابر يمكن أن ينتهي بعلامة استفهام فهو يتعلق لا محالة بالإدراك والوعي والكينونة، ومن ثمّ بخطابات المجتمع بمستوياتها كافة.
 وتعني إثارة السؤال بهذه الطريقة القبول مسبقا بمقولة لسيمون دي بوفوار (1908 - 1986) تفيد أنهم: (يقولون: الشيخوخة شيء غير موجود، إنها لا شيء، لا بل إنها جميلة ومؤثرة جداً، لكنهم حين يصادفونها يُلبسونها كلمات كاذبة، مجاملات ملتبسة تبشّر بشقاء الأيام المقبلة، حينما نحتفظ ببقايا الحيوية، المرح وسرعة البديهة.. نظل شباباً، وإلّا نصيب الكهولة ليس سوى الرتابة، الكآبة، والخرف).. يمكن لهذه المقولة أن تقدم وصفاً للشروط التي يثار في ظلّها سؤال ينظر إلى شيخوخة المرأة على أنها مرحلة يبدأ فيها التدهور في كل شيء. وتكون أكثر قسوة خاصة بالنسبة للأرملة مع تقدم العمر بها؟.  أنا شخصيا أقلعت عن مجالسة كلّ امرأة تتحدث بقناعة راسخة عن اصابتها بأعراض الشيخوخة، لكنني وعلى الرغم من ذلك أقع دائما تحت ضغط عبارات (مجعدة) تزدحم بها ذاكرتي مثل (هذه الموضة لا تناسب عمر المرأة التي ستصبح ربّما عن قريب جدة - هذا اللون لا يليق بمن تجاوزت الأربعين- قصّة الشعر هذه لعمر أصغر)، وغيرها من العبارات الترابية البائسة التي تجعلني أثق أن الشيخوخة ستكون مرهونة دائما بشعورنا وقناعتنا في أن نعيش المقبل من سنواتنا كما تريد هي.. وأننا يمكن أن نتخطاها لو أردنا ذلك أقصد نتخطى الشعور بها.  
تعتمد نظرتنا كنساء على هذه الأمور التي لطالما نواجهها مع تقدم العمر ومنها التركيز على توقعات المجتمع النمطية تجاه الجسد الأنثوي، يعني الإقرار بأن تجربة المرأة تجاه الشيخوخة ترتبط ارتباطا وثيقا بالمفاهيم السلبية المتعلقة بحيوية الجسد والخصوبة وكذلك العمل، وهي مفاهيم لا تمثل مأزقا نفسيا للأنثى فحسب بل تهدّد بتعطيل هويتها ووقف دورها في الحياة.  
لذا، عندما قرّرت التخلي عن كل ما يمكن أن يتوقعه المجتمع عن شيخوخة المرأة. لم يكن ذلك انطلاقا من فكرة (التنمر على خطاباته) عن تفاوت خطاباته المركبة التي تواجه النساء كلما تقدم بهنّ العمر، باعتبارهن أقل قيمة مقارنة بالرجال، وإنما كمكوّنات حيّة شكّلتها تجارب البحث عن الذات تزداد نضجا وكمالا يوما بعد يوم.
في الواقع، تبدأمصيبة المرأة لحظة شعورها بسن الشيخوخة مع تقاليد المجتمع حين تنجح. وحين تقع – أقصد المرأة- وإن لم تتجاوز الأربعين من عمرها ضحية الاعتقاد السائد بأن الشيخوخة هو دور أحادي البعد لليأس من دورها في الوجود. إذ تحمل نظرة المجتمع المرتبطة بخطابات تقيس الفجوة بين الطريقة التي كانت عليها وحالتها الآن.
النظرية النسوية التقليدية ربما لم تأخذ في الاعتبار كيفية بناء العلاقات العمرية للفرص المتاحة أو التوقعات المرتبطة بكونك (أكبر سناً) مقابل (أصغر سناً) لكنها اهتمت أكثر بالشيخوخة والتجسد والذاتية الجنسية وكذلك بنظام عدم المساواة القائم على العمر.. وأخيرا أزعم جداً.. أن الشيخوخة قرار.. يمكن ألا 
نأخذه.