9 نيسان 2003.. الحدث والمخرجات

آراء 2021/04/13
...

 رزاق عداي
لم يستقر الوضع السياسي في العراق طيلة العهود الجمهورية باستثناء سنوات قليلة جدا، كان هدوؤها نسبيا يشبه السكون الذي يسبق العاصفة، فكانت سنوات العقد الستيني قد تميزت بانقلابات عديدة يُخطط لها من قبل إرادات خارجية، وحروب دموية في منتصف السبعينيات، ثم حرب ضروس طويلة مع إيران لثماني سنوات بعدها بسنتين اجتياح العراق الكويت ثم عقوبات طويلة امتدت حتى الاحتلال الاميركي في العام 2003.

في مطلع كانون الثاني 2003 اعلن الرئيس الاميركي بوش في خطاب ألقاه بقاعدة ((فورت هود)) بولاية تكساس، وهي اهم القواعد العسكرية الاميركية، ان بلاده جاهزة ومستعدة للتحرك عسكريا، اذا رفض العراق نزع اسلحة الدمار الشامل التي يملكها، واضاف ان بلاده لاتريد غزو العراق، وانما تحرير الشعب العراقي، وعبر عن ثقته في ((تحقيق نصر حاسم لان الولايات المتحدة تمتلك افضل جيش في العالم))!!.
كان العراق موضع اهتمام بالغ من قبل مراكز القرار الأميركي في السنوات الأخيرة من ثمانينات القرن الماضي، وحصرا في العام 1989، فأختير كعينة لتطبيق النظام العالمي الجديد، الذي تفردت بتعيينه وتسويقه أميركا بوصفها الطرف الأساس في الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي السابق، فبعد تفكك الأخير أصبح من الضروري تدشين مفاهيم النظام الجديد عالميا، وكان العراق يتمتع بكل المواصفات المطلوبة، فتمت دراسة الموضوع بكل عناية من قبل ستراتيجي البنتاغون، ممن يسمون باليمين الأميركي الجديد في ذروة انتصار كبير على ايديولوجيا المنظومة الاشتركية (على رأسها الاتحاد السوفيتي السابق)، فكان هؤلاء الذين يسمون بصقور البنتاغون مساقين تحت خيلاء فوز دولي كبير منحهم دافعا قويا في ابتكار مفاهيم كونية جديدة، كالشرق الاوسط الكبير، والفوضى الخلاقة، والديموقراطية الأميركية. كل هذا كان في أجواء قطب دولي وحيد هو اميركا.
أمّا العراق فكان بلدا ثريا بنفطه، يحتل جغرافية بالغة الأهمية، خرج توا من حرب طويلة، يبدو منهكا، ويرزح بمشاكل اقتصادية هي من تداعيات الحرب، وشعبه على قدر من الثقافة يتقبل الديموقراطية، على رأسه دكتاتور متهور لا يفتأ يقدم جل المسوغات لاحتلال بلده، كما أنه لا يتورع عن الهجوم على أي بلد يجاوره، ليعطي هذا مبررا سهلا لتحشيد العالم ضده، ناهيك عن شكوك في حيازة أسلحة دمار شامل.
كانت الماكنة الستراتيجية الأميركية قد سوغت وروجت موضوعة تحرير العراق، تأطرت لاحقا في قانون صدر من الكونغرس في سنة 1998، ثم ابتدأت قصة تحرير العراق لتنفذ في العام 2003. 
الخطوة الأولى لإدارة العراق تمثلت باختيار حاكم مدني أميركي، ثم تبدل مفهوم التحرير الى احتلال وفقا لطلب من الأمم المتحدة ليتحمل الجانب الاميركي المحتل مسؤولياته بعد حين، تمثلت في تعيين حاكم مدني. شرع بريمر بتشكيل مجلس الحكم بصيغة المحاصصة للمكونات العراقية، ثم توالت الخطوات لاحقا في كتابة الدستور ثم انتخابات نيابية ....الخ.
ومع ذلك ظلت حالة عدم الاستقرار تتفاقم سنة بعد أخرى، بظهور مقاومة الاحتلال، وحرب أهلية، وبروز بؤر إرهابية مرعبة ابتدأت بالقاعدة التي تمددت في مناطق عديدة على الخريطة العراقية بدعم وتمويل خارجي مدعية مقاومة الاحتلال. في سنة 2011 انسحبت القوات الأميركية من العراق باتفاق مع الحكومة العراقية المزعزعة، فحصل فراغ سياسي أمني، استطاعت ايران، مستفيدة من الأوضاع الجديدة في العراق، أن تحقق حضورا لها مدعوما من قبل أحزاب تربطها علاقات قديمة معها، فكان تأثيرها واضحا في حراك العملية في العراق، عزز ذلك لاحقا ودعم وجودها تداعيات الحرب مع تنظيم داعش الإجرامي الذي احتل أراضي تعادل ثلث مساحة العراق في سنة 2014، وفي الوقت نفسه دعيت أميركا للمشاركة في هذه الحرب ضد داعش وفق اتفاقية امنية.
لم يحقق العراق خلال ثمانية عشر عاما أيَّاً من الاهداف التي بررت بها اميركا احتلالها للبلاد، فمع عدم استقرار امني متواصل، وضعف في بنية الدولة وانتهاكات متنوعة لها، وتدخلات اجنبية سافرة، اما على مستوى ما ظلت تبرر به دائما، وهو بناء ونشر ديمقراطيتها، فهي ديمقراطية متعثرة لم تتقدم أبدا.