في كل عام، وفي مثل هذه الأيام يكثر النقاش عن الحرب التي أسقطت النظام ومعنى الاحتلال وعن صدام وحزب البعث والديكتاتورية التي مهدت الى التغيير، ومآل الديمقراطية التي انتظرها العراقيون لسنوات طوال. عناوين نقاش أو مفردات جدال، كأنها أضحت من الماضي، حقائق لا تثير الكثير من الاهتمام، فالحرب التي أسقطت النظام كانت تحصيل حاصل وأمرا شبه محتوم قبلها زيد أو رفضها عمر، لأن النظام صار خطراً على الأمن الدولي وعلى توازنات النفوذ التي كونت دول المنطقة وأسهمت في استمرار وجودها حتى اليوم، والاحتلال اجتاحت قواته حدوداً لم يبق لسلاحها الحربي أثر في تغيير معادلات النفوذ، وصدام لا يختلف عليه اثنان، ديكتاتور أخطأ وكذلك الحزب في إدارة العراق ثلاثة عقود ونصف العقد من الزمان. بقيّ العنوان الذي يحتاج المزيد من الضوء تسليطاً على حاله هو الديمقراطية التي تأملها العراقيون من التغيير، إذ هي في واقع الأمر خطوات وإن خطى في طريقها العراق الكثير، إلا أنها خطوات في مجملها لم تقترب حتى الآن من حافات الديمقراطية الصحيحة، فالحزبية لم تستقر بعد، والذات الشخصية في مجالها ما زالت تحكم تشكيل الأحزاب وإدارتها، وتقبل الآخر في سياقات التعامل الحزبي والسياسي اتجاهات لم تتغير كثيراً، والحرية الشخصية في انتخاب المناسب فرداً أو حزباً توجهات ما زالت بعيدة عن المنال، وما زال العقل المُنْتَخِب تتحكم في خياراته عديد من عوامل التأثير.
ومع هذا يمكن القول إن التأخير في خطوات الانتقال الى الديمقراطية، تأخير مؤقت، سينتهي حتماً، لأن الانتقال اليها حاجة إنسانية مجتمعية، صارت شبه محتومة، ولتقليل زمن التأخير في الانتقال، لا بد وأن يبادر العراقي بتغيير نفسه ليكون هو ديمقراطياً قبل كل شيء.