صناعة المستبد

آراء 2021/04/13
...

 علي الخفاجي
 
 
في لقاء تلفزيوني بث من على إحدى القنوات الفضائية وكان الضيف ضابطاً عسكرياً سابقا روى حكاية طريفة حدثت في معسكر من معسكرات التدريب عن ضابط آخـر؛ سـأل أحد الضباط الجنود لاختبار معلوماتهم العسكرية وكان أول يوم لهم بالالتحاق بالمعسكر؛ وفق التسلسل العسكري ماذا يأتي بعد رتبة نقيب أجاب أحدهم بعد رفع يده سيدي رائد، وفي يوم من الأيام وقبل البدء بالتمرينات الصباحية كان هنالك عريف وكان يعرف بصرامته وبذات الوقت غير محبوب من قبل الجنود، ومن باب الفضول سألهم وفق التسلسل العسكري ماذا يأتي بعد العريف أجابهُ أحدهم مشاكساً؛ عريف ركن وكانت الإجابة ممزوجة بين المزاح والتهكم والخوف من العريف.
الإشكالية الأزلية التي لم تحل الـى الآن رغم اجتهاد علماء السياسة والاجتماع في تجزئة كل منهما ووضع حد لهذه الاشكالية لكنها لم تكن مقنعة الى حدٍ كبير هـي، هل الخلل في الحاكم المستبد أم في الرعية؟، يقال بأن فساد الرعية من فساد حاكمها وصلاحها من صلاحه، مايعني تأثر المجتمع بالمسؤول أو الحاكم كونهُ القدوة للمجتمع وقدر تأثر المجتمع به كبيرة، فكيفما مال يميلون، أم ان الحاكم الذي هو ابن البيئة التي يقطنها كيفما كانت البيئة يكون وهو انعكاس لطبيعة المجتمع، وبكل الأحوال فرد من مجموعة لم يخلق لأن يكون مستبداً لولا تشجيع المجموعة بأسلوب من الأساليب لهذا الفرد لأن يكون كذلك.
الخلل البنيوي في سايكولوجية بعض الأفراد هو بالسعي لإرضاء المسؤول بأي شكل من الأشكال واستخدام التملق وسيلة للوصول الى المبتغى حتى وإن كان على حساب الكرامة، وهذا ما نراه في مختلف المجالات، وبدا وكأنه من ضروريات الحياة.
 صناعة الطغاة تعتمد على عدة أمور عند توافرها نكون حينها قد صنعنا طاغية يملك كل مقومات الاستبداد؛ كالجهل المجتمعي والتملق والتزلف والتذلل والتخلي عن المبادئ الانسانية، فالجهل إذا ماحل بمجتمع ما سرى كالنار في الهشيم، وهو بذلك نتيجة حتمية لقلة وعـي وعدم إدراك لهذا المجتمع، فـقديماً وقبل أن تشرع قوانين لحقوق الانسان كانت الكثير من الدول والجماعات ونتيجةُ لطبيعة الحياة التي كانت تسود فيها شريعة الغلبة للأقوى كانت تحت وطأة الجهل والاستبداد والفقر وكل أنواع الظلم، الى أن بدأت هذه الجماعات بتغيير نمط الحياة من خلال الوعـي والاعتراض على كل ما هو غريب عن الطبيعة البشرية، فأدركوا انهُ ليس من طبيعة الإنسان أن يكون خاضعـاً ذليلاً مسلوب الارادة إلا إذا أراد
 هو ذلك.