(الماجينة) وكرة القدم

الصفحة الاخيرة 2021/04/17
...

حسن العاني 
1955... ما شغل اهتمامنا الطفولي منذ اليوم الأول لرمضان الكريم، شيء أكثر من الحصول على كرة قدم حقيقية من النوع الذي يلعب به فريق الحرس الملكي و... ولذلك لم تكن (الماجينة) في ذلك الرمضان لعبةً، وانما مخطط صبياني لجمع المبلغ المطلوب لشراء الكرة عبر ذلك الطواف على البيوت، والاستجداء الجميل، كان عددنا قرابة خمسة عشر ولداً (في ذلك العصر الذكوري، البنات محرومات من الخروج ليلاً، ومن الماجينة ومن كرة القدم ومن الاحلام، قبل أن يتغير الزمن والعرف ونعيش عصر النسوان)، وكنا نخرج بعد مدفع الإفطار بساعة تقريباً، اذ يكون التجمع عند نقطة معينة في الطرف، هي عيادة طبيب المحلة (سعدون حمام)، ومن هناك تنطلق مسيرة التسول الراجلة!
اشهد الا امتع ولا احلى من تلك الوقفات على أبواب المنازل ونحن نردد اغنية الماجينة، وكأننا فرقة انشاد مدربة، داعين الله والنبي إسماعيل أن يحفظ راعي البيت وأولاده وبناته، وتبلغ المتعة قمتها حين نحصل على بضعة فلاسين، غير ان للمتعة وجهاً آخر عندما يطردنا اهل احد المنازل بسطل ماء فوق دشاديشنا (بالمناسبة لعبة الماجينة صيفية)، اذ يتحول الدعاء لأصحاب البيت الى شتائم مهذبة تتهم اهل الدار بالبخل، وتفضح المغلولة أيديهم الى اعناقهم ! ومن المفيد الإشارة الى أن اغلب المنازل لا تفتح أبوابها ولا ترد علينا بالمال او الماء فننسحب مخذولين !
انتهى المبارك رمضان، وبنهايته بلغ واردنا الشهري (4) دنانير و(239) فلساً وهو مبلغ يفوق احلامنا، غير اننا في معمعة التفاوض اختلفنا، عند من ستكون الكرة؟ وماذا نفعل بالمبلغ الباقي؟ واحتدم الخلاف حتى تحول الى مشكلة واقترح احدنا أن نتخلى عن الكرة ونتقاسم المبلغ ولقي المقترح قبولاً كبيراً ورفضه ثلاثة فقط انا واثنان معي كنا مصرين على تحقيق الهدف وشراء الكرة، ولكن الأولاد اختلفوا من جديد على كيفية التوزيع، لان البعض التحق بفريق الماجينة بعد أسبوع او عشرة أيام وليس السابقون مثل اللاحقين، واقترح ولد آخر أن نشتري (الكباب)، وتهيأ لي وكأن رائحته الحبيبة الى الروح قد تعالت في الانوف واصر الثلاثة انفسهم على تحقيق  الهدف، ولكن إرادة الأكثرية انتصرت مع انها إرادة سيئة، واشترينا كمية من الكباب تفوق الشبع مثلما اشترينا 6 كيلوغرامات زلابية وبقلاوة، وصرفنا المبلغ الى اخر فلس ثم أقمنا وليمة في الشارع ورحنا نأكل ونضحك ونتسابق في الاكل حتى لم يبق فتات خبز لنملة جائعة، وفي وقت متأخر من تلك الليلة الرائعة تم نقلنا جميعاً الى المستشفى!.