مدن غارقة في ثراء التنوع ماذا قدمت الحكومات المحليَّة لثقافاتها؟

ثقافة 2021/04/17
...

  استطلاع: 
صلاح حسن السيلاوي 
في المدن العراقية ثمة خصوصيات للثقافة والإبداع واللغة تتوافق مع بيئات مختلفة ومحيط إنساني متنوع، فالبصرة التي تطل على الخليج العربي أكسبها البحرُ لوناً خاصاً من الاختلاف عبر ما يأتي به من ثقافات الشعوب، من خلال السفر والتجارة، فضلا عن إرثها الثقافي الكبير. مدن أخرى نشأت بالقرب من الصحراء، وماثلة بجوانب الأهوار، وبعض منها بين الجبال. اختلاف وتنوع هنا وهناك، لغات وأديان وطوائف وقوميات متعددة، كما في كردستان والموصل وكركوك والنجف وكربلاء وغيرها من المدن.
لهذا كله يأتي دور الحكومات المحلية بفهم تلك الخصوصيات والتعامل معها إبداعياً بالتعاون مع النخب الثقافية عبر دعم يتناول تنوعها الاجتماعي والتاريخي والديني. 
تساءلنا عبر هذا الاستطلاع عما تقدمه الحكومات المحلية لثقافة جميع محافظات العراق فابتدأنا بأربع منها هي البصرة وكربلاء وبابل والقادسية. ثم سنكون لاحقا مع الموصل وذي قار والنجف والأنبار وقد تعمدنا التنويع بين الوسط والجنوب والشمال؛ ليتبين للقارئ مدى فهم المسؤولين لاختلاف ثقافات المدن عن غيرها عبر ما يلمسه المثقف هناك. 
 
لا مسارح ولا مقار
الشاعر والإعلامي عبد السادة البصري يرى أن الحكومة المركزية لم تقدم شيئا مهما للمشهد الثقافي وكذلك الحكومات المحليّة، لأنه وحتىهذه اللحظة لم يَرَ مسؤولاً واحداً سواء في المحلية او المركزية سعى او بادر لتطوير وتعزيز الثقافة ودورها الكبير في خدمة الوطن والناس على حد قوله.
واضاف البصري: لامسارح، ولا دور سينما، ولا مقار للمؤسسات الثقافية تليق بها، في البصرة لم تتحرك الحكومة المحلية لإعادة اعمار دار الأوبرا، كما لم تسعَ لبناء قاعات للعروض المسرحية والمعارض التشكيلية والفوتوغرافية والعروض السينمائية والحفلات الموسيقية، وقد تم هدم دور السينما التي سكنت ذاكرتنا كنافذة ثقافية جميلة مثل (الكرنك، الوطني،الموانئ، وغيرها) وكذلك (بهو الادارة المحلية)، وبنيت في اماكنها اسواق تجارية (مولات).
إنهم بعيدون عن الثقافة بشكل كبير، ويهابونها، اذ لم نلمس من أي مسؤول ما، أيّة مبادرة حقيقية - ما عدا الكلام المعسول ووعود السراب - لمدّ جسور التواصل والدعم والتشجيع والوقوف على المعوقات والعقبات التي تقف عائقا أمام الثقافة والمثقفين بشكل خاص، المربد ذلك المهرجان العراقي الكبير نتوسّل بهذا وذاك لأجل اقامته، ولكن.. اين الفنون الاخرى (الموسيقى،المسرح، السينما ووو)؟، بل أين البنى التحتية للثقافة؟.. من مسارح وكاليريهات ودور سينما ومراكز تثقيفية.. وأين... وأين...؟!
 
حلم بإقامة 
مهرجانات كبيرة 
الشاعر سلام البناي رئيس اتحاد أدباء كربلاء أشار إلى أن ما تشهده كربلاء من حراك ثقافي – وإن كان نخبويا – يعد دليلا على حب الثقافة ورسوخها في هذه المدينة المعطاء، بوصف الثقافة سلوكا معرفيا يحمل الكثير من القيم الجمالية ويشي برغبة التواصل مع المتلقي عبر المهرجانات والاماسي التي تقيمها الفعاليات الثقافية والأدبية في المحافظة على الرغم من قلة الدعم ومحدودية الإمكانات. ولفتَ البناي إلى تأثر البنية الثقافية بالمتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وبما يمكن أن توفره الدولة بصورة عامة لممارسة الأنشطة الثقافية وطرح المنتج الابداعي، وهذه قضية عامة تحتاج الى جهد وإرادة مركزية وليست محلية فقط. وأوضح قائلا: أغلب الجمعيات والمؤسسات والاتحادات الثقافية في المحافظة تعاني العوز المادي وتفتقر للمقار الثابتة، وهذه ظاهرة عامة في اغلب محافظاتنا. وفيما يخص اتحادنا فإننا نسعى الى ديمومة المشهد الثقافي والأدبي في المحافظة بحدود الامكانات المتوفرة، وذلك بإقامة النشاطات المدعومة من اتحادنا المركزي، أما الحكومة المحلية فهي قد سبق لها أن وفرت لنا مقرا مؤقتا داخل المكتبة المركزية العامة، وفي الوضع الحالي هو مناسب لنا وللأمانة الاخ مدير المكتبة يتصرف معنا كأصحاب مكان بتوجيه مباشر من المحافظ الحالي المهندس نصيف الخطابي وهو متعاون معنا عندما يتطلب الامر التعاون، كذلك كل المحافظين الذين تعاقبوا على ادارة المحافظة كانت لهم وقفة وبصمة مع اتحادنا، ولكن يبقى طموحنا أن يكون لنا مقر ثابت بمساحة مناسبة، وبمكان مفتوح، وأن يكون هناك دعم مادي وتعاون مثمر لإقامة مهرجانات كبيرة وفعاليات يشار لها بالتميز. مثلما ندعو ونطمح ان يكون هناك دعم لكل الفعاليات الاخرى من جمعيات واتحادات ونقابات ومؤسسات ثقافية فهي كثيرة ومبدعة وتحتاج الى مثابات معلومة وثابتة ومدعومة من قبل الدولة والمحافظة لديمومة نشاطاتها، فكربلاء مدينة الفكر والتضحية والقداسة والثقافة فيها كثير من الأسماء الكبيرة والطاقات الابداعية التي تعد رافدا مهما لكل الأجناس الأدبية والتشكيل والمسرح والسينما وغيرها، وقد تركت أثرا وحفرت لها مكانا في المشهد الثقافي العراقي والعربي.
 
إهمال وتغييب في بابل 
الشاعر سلام مكي تحدث عن إهمال وتغييب في جوانب أساسية في محافظة بابل جوانب لا غنى للإنسان عنها، ولعل الثقافة الجانب الأكثر تغييبا، وفي كل مجالات الثقافة وعناصرها ومكوناتها، بدءا من المثقف إلى النشاطات الإبداعية، والبنى التحتية للثقافة كمقار وقاعات في الحلة. 
ويذهب مكي إلى أن ثمة تهميشا وإقصاءً متعمدا للثقافة، تمارسه جهات كثيرة، أولها الحكومة المحلية. مبينا وجود كثير من الأمثلة على ذلك ومنها بقاء أهم مؤسسة ثقافية وهي اتحاد الأدباء بلا مقر، طيلة السنين الماضية، لولا مبادرة ومتابعة من قبل أعضاء في الاتحاد وممارستهم الضغط على الحكومة المحلية والمؤسسات المعنية وأعني مديرية البلدية، حتى تم منح الاتحاد مساحة مجاورة لشط الحلة، تم اتخاذها كمقر للاتحاد. 
وأضاف بقوله: أما باقي المؤسسات الثقافية الأخرى، فلا تختلف كثيرا عن اتحاد الأدباء، فهي مهمشة ومغيبة، عن المشهد العام في المدينة، والسبب يعود إلى العقلية التي تحكم المدينة والتي ترى في الثقافة بابا للهو والابتعاد عن الدين!!، الحلة التي تجاور أهم معلم تاريخي وأثري عراقي، وهي مدينة بابل الأثرية، تعاني من الاهمال والتغييب المتعمد، كأنها مدينة ولدت توا!.
 
دور السينما مخازن للبضائع 
القاص فاضل الفتلاوي قال: منذ أن بدأت مرحلة الانتخابات المحلية في محافظة الديوانية وحتى اليوم لم تدعم الحكومات المحلية مفاصل الثقافة والفنون وكل ما يمت للإبداع، وقد برر المسؤولون ذلك بأنه ضد معتقداتهم، فإن القصة والرواية والمسرحية إن لم تصب في ايدولوجياتهم تكون مهملة، في زمن هذه الحكومات انحسر دعم الجهد الثقافي هذا الجهد الذي يحاول النهوض من تحت الركام لنشر الثقافة والفنون. 
أما حال السينما فحدث ولاحرج فدور السينما في محافظة الديوانية تحولت الى مخازن للبضائع والمواد الإنشائية ومخلفات الحديد أمام أعين المسؤولين المحليين التي يبدو أنها لا ترى بالسينما أمرا صالحا.