المنطقة العربيّة بين احتلالين

آراء 2021/04/18
...

 ميسون جعمور 
يخطئ من يظن أن مخطط اقتسام المنطقة العربية، وتجزئتها وليد عصرنا الراهن، فمنذ نهاية الحرب العالمية الأولى قبل مئة عام، وقيام اتفاقية «سايكس بيكو» التي وضعت اللبنات الأولى في مخطط التقسيم الأول، برسم حدود جديدة لما كان يُعرف بمناطق نفوذ الدولة العثمانية بموافقة الإمبراطور الروسي على تجزئة منطقة الشرق الأوسط إلى دويلات، ووضعها تحت نفوذي الاستعمارين الإنكليزي والفرنسي، بدأ العمل في مشروع التفتيت طويل الأمد.
 
لاحقاً اندحر الاستعمار، وحلت محله حكومات زعمت أنها وطنية، لكن هاجس الغرب تجاه الشرق لم ينطفئ يوماً، لذلك تواصل رسم المخططات، تلوّن وتزخرف على مقاسات دول الاستعمار، وكأن المنطقة العربية رقعة شطرنج كبيرة، والعرب فيها مجرد بيادق يحركونها بأيديهم متى يشاؤون، ويعلنون نهاية حتفها في وقت محدد يرونه 
مناسباً.
ولطالما كان العرب في نظر الغرب حاجة فائضة ويجب زوالها، فهم يرون العرب مجموعة شعوب بدائية ينقصها التحضر، متجاهلين حقيقة مهمة وهي أن أقدم الحضارات في العالم، وأساس بذور العلم والحرف، أقدم مقطوعة موسيقية، أشهر علماء الدنيا كانت من العراق وسوريا.
تسابق عباقرة التقسيم على رسم المخططات، حيث برز مخطط إسرائيل الكبرى، وخريطة حدود الدم، وغيرها الكثير، تنوعت وتشكلت التسميات حتى فجّرت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس قنبلة الموسم، حين أعلنت عن خطة الشرق الأوسط الجديد، التي تضمنت استمراراً لاستراتيجية امبريالية راسخة بتمزيق الممزق إلى قطع أصغر يسهل السيطرة عليها أو زجها في حروب بسبب خلافات حدودية أو طائفية أو قومية..الخ، ويأتي توقيت إعلان رايس ذا دلالة خاصة، لا سيما أنه جاء بعد خسارة إسرائيل في لبنان في حرب تموز 2006. 
رايس التي وصفها المحللون السياسيون بأستاذة الفوضى الخلاقة، حاولت دعم الأصوات المحلية التي تنادي بالانفتاح السياسي، وطرحت فكرة لغة الإصلاح التي تساعد المواطنين في الشرق الأوسط على تغيير معايير الحوار في مجتمعاتها، وحرية التعبير عن أفكارها لتغيير وجه المنطقة، خديعة وقع فيها كثيرون، وهكذا نجحت في خلق أزمات كارثية، إذ وقع الشعب ضحية فخ أميركا الأم الرؤوم صانعة الفساد العالمي، فهم يريدون تمزيق المنطقة وزعزعة استقرار شعوبها بقلب بارد بهدف خلق البلبلة والتناحر الطائفي، كونداليزا رايس التي أفصحت فيما بعد على شاشات التلفزة قائلة: لقد ذهبنا إلى العراق لأننا اعتقدنا بأن هناك تهديداً حقيقياً لأمننا، وأخطأنا بشأن أسلحة الدمار الشامل، وذهبنا إلى أفغانستان لأننا رغبنا بالتعامل مع الملاذ الآمن لتنظيم القاعدة بعد أحداث 11 سبتمبر. على أن الإدارة الأميركية لم تستخدم القوة العسكرية في العراق وأفغانستان لجلب الديمقراطية، إذ لا يمكن إدخال الديمقراطية بقوة السلاح. 
وهنا تشهد المنطقة سيناريو طويلاً، مكتوبا بلغة محترفة، ومشاهد عالية الدقة، حاكتها الأطماع الصهيو- أميركية، وتأتي صحيفة النيويورك تايمز الأميركية بعنوان لمخطط جديد: كيف يمكن أن تصبح خمس دول أربع عشرة دولة؟؟ هذا المخطط الرهيب الذي يدل على تبييت النية لإضعاف المنطقة عبر تقسيمها، وامتصاص خيراتها بعد زعزعة استقرارها الاقتصادي، واستعمارها بشكل أكثر حداثة. 
لقد اجتاحت حمى الثورات المنطقة العربية، مطالبة بقلب الأنظمة، ونشر الديمقراطية، وحرية الرأي، وشهدت المنطقة حروباً دامية، ها هي سوريا ما زالت تواصل حربها التي قاربت عشر سنوات، وتلك هي ليبيا الجريحة، ولبنان الذي نهشت مرفأه قنبلة موقوتة معدة منذ سنوات، وعندما حان الوقت تم تفجيرها في قلب بيروت في مشهد هزّ أفئدة العالم، وجاء الرئيس الفرنسي ماكرون على جناح السرعة ليطمئن على باريس الشرق، وكأنه يحاول البحث عن موطئ قدم لفرنسا هناك مرة أخرى، وقال بلغة عربية باردة، وبلسان ممثل فاشل: بهبك يا لبنان. العراق بات مستنزفاً حتى الرمق الأخير، وقد شجعوا النزعات الانفصالية لدى الأكراد 
وغيرهم. 
ولا يخفى على العالم أن تركيا ما زالت تنظر بعين الغازي القديم إلى المنطقة على أنها تركة عثمانية، وعليهم استردادها، وكما هو معروف فإن لتركيا يداً طولى في دعم الإرهاب تجاه الأراضي السورية، وحالياً تشهد العلاقات الأميركية التركية منحنيات خطرة، وقد خرج أردوغان منتقداً دعم واشنطن للإرهاب، واشنطن الحانقة عليه، لا سيما بعد شراء منظومة S400، الأمر الذي عده حلف الأطلسي انتهاكاً صارخاً لمواثيقه وتهديداً لتماسك الحلف.
 
كاتبة من سوريا