(للخبز طعم آخر).. والأداء التعبيري والتصويري

ثقافة 2021/04/18
...

  علوان السلمان
 
القصة القصيرة خرق للعادي اليومي واعتماد مألوف القيم الجمالية واللغوية بتأثير جدلي بالتطورات والمتغيرات الحضارية والتكنولوجية.. والتي بحكم تأثيرها كانت القصة القصيرة التي حقق عوالمها الحداثية المعاصرة منتج واعٍلأدواته فنية وفكرية اسهمت في تغيير المكونات النصية للخطاب السردي مبنى ومعنى.. بكل المعايير الكمية والكيفية والدلالية والمقصدية التي تقوم فيها المقومات السردية (احداث/ شخوص/ بنية زمكانية..)من اجل مسايرة ايقاع الزمن واستجابة لعوامله الموضوعية باستخدام تقنيات جمالية وفنية مع انفتاح على الاجناس الادبية والتلاعب بالنسق السردي وتوظيف الفنون البلاغية (استعارة ومجاز وتشبيه..) فضلا عن الترميز واختيار الالفاظ الموحية واعتماد النزعة السردية المكثفة الموجزة للارتقاء بالنص.. فضلا عن الجملة الموسومة بالحركة والتوتر.. باعتماد لغة نابضة بالحياة مشحونة بالشعرية، قادرة على الاداء التعبيري والتصويري.
المجموعة القصصية (للخبز طعم آخر) للقاصة ذكرى لعيبي توثق الصلة بين الذات والذات الجمعي الآخر باعتمادها الاقتصاد في اللغة ومغامرة الانزياح الدلالي والتركيبي في سياق رؤيوي مستجيب لأفق التجربة والتعبير عن جوهر الفكرة بتفاعل اللغة والمشهد السردي.. ابتداء من الايقونة العنوانية الدالة على هوية النص وجدلية الترابط بينهما من جهة وتحفيز ذهن المستهلك (المتلقي) لاختراق عوالم المتن والكشف عما خلف مشاهده.
(لم تلتفت الى الوراء لِتَرى جيش مخاوفها وخساراتها يطبق عليه اليم، قلبها وحده قادها، ارتعش ثم تصلّد،طوت رداء الخوف القديم، وألقته في اليم، انغمرت بنقاء التطهّر، تماهت مع الشعلة البيضاء، اتّحدت هامتها والقلعة وجبل ارادتها، صار قلبها وطنا تجلى بأناها وذاتها، اغتسلت بصحوة الشمس، هفت ودنت، كأنها عنقاء تصاعد الى العلا من بحور طيوبها ورمادها، تكونت.. تعالت.. تعالت.. حتى صارت حالة المستحيل الجميل..) / ص66
النص يمتاز بلغته المكثفة التي تطرح مقولتها المضمونية في سياقها بألفاظ ذات دلالات موحية منطلقة من بؤرة موضوعية رامزة مع درامية تميزت بدفقاتها الشعورية التي تقوم على فكرة وبناء يتسم بالاختزال مع حضور عنصر الدهشة والترميز والاستعارة.. فضلا عن اعتماد التكثيف والاقتضاب والتبئير والتركيز مع اتكاء على بلاغة التشظي واعتماد ألفاظ موحية (ذهنية ووجدانية)، فضلا عن الابتعاد عن الاستطراد الوصفي والسردية النسقية، فتظهر الذات ويطفو الخيال ويسمو الانزياح.. (كانت تقسم الدقيق الذي تحصل عليه من قسيمة (الحصة التموينية) على قسمين: الاول تسد به جوعنا.. والآخر تخبزه وتبيعه بالسوق لشراء علبة دواء لأختي الصغرى..) ص121/ 122
فالنص يعتمد مشهدية وصفية تتخللها الدراما واللغة الشعرية المتناغمان في خلق نص جاذب، مستفز لذهنية المستهلك (المتلقي) والتي تختزنها الذاكرة.. ذاكرة الراوي العليم.. اذ تنزع معاناة الشخصية ذهنيا ونفسيامع توتر ناتج من لعبة جسدتها الجملة الفعلية (كانت تقتسم الدقيق) وشخصية (القصاب) بتداخل فعل التقسيم واللقطات المشهدية الادهاشية التي تنتج دلالات عميقة يفجرها النسق المفارق للتشكيل السردي.. المعتمد على تقنيات اسلوبية كالتكرار الكاشف عن الجوانب النفسية والدلالية التي تنطوي عليها الشخصية المنتجة في تشكيل رؤيتها ووصف الحالة الشعورية التي تتملكها لحظة البناء السردي..وهناك تقنية الحوار بشقيه (الذاتي) و(الموضوعي) للكشف عن دواخل الشخصية.. فضلا عن توظيف ادوات الترقيم الدالة كالتنقيط دلالة الحذف الذي يستدعي المستهلك (المتلقي) لملء فراغاته.. والفارزة دلالة الوقف والتأمل.. فضلا عن توظيفها الاساليب البلاغية كالاستعارة والتشبيه والمجاز.. وبذلك قدمت المنتجة (القاصة) نصوصا تتطلب فكرا مكتنزا وجهدا معرفيا لخلق عوالمها الرؤيوية المنفتحة على قراءات تأويلية.