كل شيء فيه مستورد، من حذائه الى (صبغة شاربيه)، وكان من الصعب عليّ التعرف على ابهته وعافيته وقد باعدت بيننا مشاغل الحياة منذ تخرجنا في الكلية قبل عشر سنوات، لولا نبرة صوته- وهو يبادرني بالسلام - التي لم يستطع اخضاعها للاستيراد، يا لها من مصادفة لقاء واحضان ودموع، ووجدت نفسي اقوده عفوياً الى مقهانا الشعبي القديم، ووجدته يرافقني على مضض وهو يطلب مني الذهاب الى نادي الـ ...

أمر طبيعي أن يحتل الماضي وذكريات الطرف والمراهقة والدراسة والمغامرات العاطفية، حصة عظيمة من جلسة المقهى قبل أن يسألني عن احوالي واخبار الحاضر، فسردت له بشيء من التفصيل طبيعة عملي موظفاً وزوجتي موظفة في الوزارة نفسها- قسم الحسابات - وانجبنا ثلاثة أبناء، وراتبي وراتبها بالكاد يسد الايجار ومصروف البيت وحاجيات الأطفال، وغالباً ما اضطر الى الاقتراض في حالة المرض او بداية موسم الشتاء او بعض الحالات الطارئة، كما لم اخف عنه انني اشتغل مساء هنا وهناك حيث توفرت فرصة عمل، ابتسم صديقي ابتسامة عريضة، وعقب على كلامي بلهجة مازحة قائلاً ( شكو عليك ... مرتك موظفة، وشغل مسائي .. الله ربك ) !

بدوري سألته عن وضعه الراهن، فأوضح لي انه تزوج بعد التخرج مباشرة وأُنجب أربعة أبناء، وان زوجته ربة بيت ولكنها مدبرة، وتضع الفلس في مكانه، وكانت - على حد قوله - طوال سنوات الزواج العشر توفر من الراتب مبلغاً بسيطاً ساعدنا على شراء مركبة حديثة ودارين، احداهما نسكن فيها والأخرى قمنا بتأجيرها، هذا غير شراء ثلاث قطع سكنية، احداها في بغداد، واثنتان في المحمودية وعندي والحمد لله مبلغ .. يعني ..( زين) في المصرف .

أصدقائي يعرفون انني انسان لا أُسيء الظن بأحد، وتفكيري بسيط الى حد السذاجة، لذلك تمنيت له التوفيق، ولم أسأل نفسي كيف يوفر موظف براتب وحيد مثل هذه الملكيات، وقررت على الفور أن اطلق زوجتي الموظفة، واقترن بربة بيت مدبرة، ولكن مثل هذا القرار يحتاج الى رجل شجاع !.