أسئلة اللغة.. أسئلة النقد

ثقافة 2021/04/20
...

  حميد حسن جعفر
 
(أسئلة اللغة)
أنوثة اللغة/ ذكورة السلطة/ النسق. 
اللغة  أنثى، إنها نتاج مجتمعات أمومية، ولسبب كهذا أو لسواه أصبحت هدفاً كسواها من الأهداف المنتمية لما قبل سلطة الذكورة، ومستهدفة من قبل بطرياركية السلطات، باختلاف مللها.
ولأن الذكورةَ قانونٌ إلغائيٌ عمد صناع البطرياركية وصناع سلطة الأب، أو الأخ الأكبر على تذكير إناث الحنجرة، والأصوات/ الكلمات/ اللغة، لتتحول اللغة/ الأنثى الى حكي،إلى كلام،الى لسان، كل هذا من أجل خلق حالة احتراب بين السلطة المذكرة، والأنثى/ اللغة، لأن أعراف المجتمع الذكوري لا تبيح المواجهة ما بين المذكر والأنثى، فمن العيب أن يلغى المذكر/الفحل،أو تُزاح الأنثى.
ومن أجل أن يوفر المجتمع الذكوري حالة المواجهة هذه عمل على تحويل الانثى/ اللغة الى مذكر/ لسان، ومن ثم باستطاعة الفحل هذا أن يواجه الأنثى التي أصبحت مذكرا، ولِتتم بذلك عملية السيادة، سيادة الذكر الكبير على المذكر الجديد/ الأنثى.
**
الأنثى حراك/ الأنثى فعل/ الأنثى قلق.
ولأن المجتمع الذكوري/السلطات تبحثُ عن الهدوء، والاستقرار/ العقم، وراحة البال، حفاظاً على شكل التنظيمات الإدارية التي صنعها، بعد سقوط النظام الأمومي وظهور نظام سلطة الرجل، ومن أجل الحفاظ على حالة الثبات في مواجهة المتحول، لم يستطع الكاتب/ الناشر - العربي، الشرقي، الديني، المحافظ -أن يخترق حواجز السكون، أو أن يجاري الناشرالآخر الذي اكتشفته الترجمة (ألف ليلة وليلة/ كليلة ودمنة).
بل إن الشعراء ذاتهم لم يتمكنوا من مواصلة الكتابة الإبداعية، والدخول الى المتغير، بعد أن استطاعت السلطات حينها من تدجينهم، وتحويلهم الى ناطقين بسم القبيلة، أو الدين أو المذهب أو النظام القائم.
لقد استطاعت الترجمة - في العصر العباسي تحديدا - أن توفر أكثر من منهل للحراك ضمن منظومة الآداب السردية (كليلة ودمنة/ فن المقامات وكذلك الظهور الاول للحكايات والتراجم والسير) التي لم يستطع مؤلفوها او سواهم من تكرار تجربة كتابة الاعمال الأدبية هذه، وتحويلها الى جنس أدبي قادر على خلق المغايرة،وصناعة المرأة، وخلق حالة الكشف والتعرية.
-كليلة ودمنة - لابن المقفع والتي تشتغل على إنطاق الحيوانات، عن الملوك والسلاطين والأمراء والبطانات، والحاشيات، والمؤامرات،ورغم ما تمتلك من حكمةٍ، ورغم قوتها استطاع السلاطين والحكام والخلفاء آنذاك من قمع والغاء هكذا فن سردي،كان من الممكن ان يتحول - لو توفرت له الحاضنة - الى الوسيلةٍ للتغيير، والتحول نحو أوضاعٍ اجتماعيةٍ متطورةٍ، وكذلك الحال مع فن المقامات  التي تناولت نماذج من المجتمع وقيعانه، غير بعيدٍ عن المرأة ودورها في صناعة العلاقة ما بين الرجل والمرأة، مهما كان نوعها، من ذوات الخدر، أو من ذوات المخادع، أو من الرقيق الابيض والأسمر.
***
اللغة أنثى ولود، تعتمد الحراك والمغايرة، ومن أجل خلق حالة الغاء وتحويلها الى فريسةٍ يجب تذكيرها، وتحجيمها، عبر صناعة العقم، ضمن مجال الانثى أولا، وحالة إخصاء ضمن حالة الذكورة ثانياً، اي تحويل الفعل/ الحراك والمغايرة الى اسم/ الثبات والتكرار.
وحين تتحررُ اللغة من قيود التذكير/سلطة الأبوة، سلطة تشكيل المجتمعات الذكورية (الزعيم، الرئيس، الخليفة، الكاهن، السلطان، القائد، الاب الروحي/العراب) يتحرر الرحم من أجل انتاج الاختلاف الذي هو الابداع. 
 
(أسئلة النقد)
لم يعد النقد/ أوالنص النقدي تابعاً لسواه بعد أن تجاوز عتبة الأبوة ليتحول الى جنس ادبي،لديه من الأسئلة ما تمكنه من أن يبتعد عن الاتكاء على نص إبداعي آخر.
النظريات النقدية، وبعد انكانت تستمد وجودها من النصوص الإبداعية (القصيدة ،الرواية ،القصة القصيرة، المسرحية، النص التشكيلي، السينما)عبر مقولة - لا نقد من غير نص سابق- استطاعت هذه النظريات أن تعلن استقلالها لتشيدَ قوانينها، وانظمتها، ومنظومتها، وليجد القارئان باستطاعته ان يستقبلَ نصوصاً نقدية تتحدث عن الحياة والثقافة والابداع، من غير أن تستند الى قوة الآخر/ الحليف، اي النص النقدي.
هذه الاستقلالية خلقت حالة محاذاة لاستقلاليات أخرى، وأعني بها استقلالية النص الإبداعي سواء كان نصاً شعريا، أو نصاً سردياً رغم تداخل هذه النصوص، وغياب الخواص.
إن المغايرة باتت سمة الجميع، لتبدلات الحياة، وتبدلات الإنسان ذاته في البحث عن أنوية الكائن البشري، بل تبدلات النصوص الثقافية استطاعت أن تنتج قارئاً آخر بعيدا عن القناعات الجاهزة لما كان، بل انه -اي القارئ- بات يبحث عما يجب أن 
يكون.
أسئلة النقد/ أسئلة الحياة لا يمكن أن تمارس ديمومتها وسط محميات من مهامها الحفاظ على النوع، كما لو كانت كائنات معرضة للانقراض.
بل إن الإنسان الذي يحيا وسط أمواجها كثيرا ما يجد نفسه وسط حالات البحث عن الحداثة، عن الحالة المنتمية الى التجديد، فركود المفصل لا ينتج غير الخمول، ومن ثم الوقوف عند نقطة النهاية.
ولأن الحياة /الابداع بعيدة عنالاعتراف بالنهايات، فالمغايرة هي وحدها القادرة على صناعة الديمومة بعيداً عن البرك والمستنقعات، والمياه الثقيلة..
الوجود نفسه لا يمكن أن يعتمد التكرار، كمبدأ للكينونة،  لكينونة الإنسان، فالكائن البشري لا يمكن أن يُحاكَمَ وفق محاكمة الدمى، فالتشابه قد يكون له مفصل هنا، أو مفصل هناك، ولكن التماثل لا يمكن ان يكون إلا حالة انتحارٍ ليس من السهل ممارستها، ولا يمكن أن تكون قانوا عاماً، فالقانون السائد - رغم وجود الثغرات والعيوب- هو الاختلاف. 
إن خلق رؤيةٍ فلسفية ٍللمستقبل لا يمكن أن تتمَ بعيداً عن صناعة النقد، فهو الوسيلة القادرة على تشذيب الحياة، وتثقيف الغابة، وصناعة المدينة، فمن غير منظار فلسفي يؤشرُ، لا يمكن صناعة قيادة قادرة على رؤية المستقبل، وتحديد خطوط اتجاهاته، رغم انفتاحاته التي لا تعد ولا تحصى، فتحديد نقطة الهدف/ النهاية المفترضة التي لا وجود حقيقيا لها غير قابلة للوقوف خارج الفضاءات المفتوحة، والتجديد لا يمكن ان يكون نقطة  أخيرة ثابتة، بل إنه مجموعة نقاط متحركة تقف خلف بعضها، ما أن يضع الإنسان - هذا الكائن المهاجر نحو المجهول - يده على نقطة الوصول، حتى يجد قدميهِ تقفان عند نقطة الهاوية/ الحياة، التي يجب مغادرتها بحثاًعن موضع قدم آمنٍ.
فالنقد ما عاد مهتماً – قليلا أو كثيراً- بالظاهر من الحياة، والتي قد لا تؤسس لحالة إشكالية، بل إن قِدَمَ الحياة هو العمق الذي تتحرك وفقه اهتمامات البحث والدراسة التي تعتمدها مفاصل الفعل النقدي.
فمئات الملايين من السنين هي التي تصنع/ تشكل اللحظة الآنية التي يحياها الكائن البشري، سواء كان فرداً، أو جماعةً فلا يمكن لهذا الفرد أن يكون بمعزل عن الأسلاف، سواء ضمن الشكل البدائي، أو 
المتمدن.