ترجمة وإعداد: أنيس الصفار
استمر الحشد العسكري الروسي بالتنامي قرب الحدود الأوكرانية، وتعمق القلق في انحاء العالم بخصوص نوايا موسكو النهائية عندما أخذ مسؤولون روس كبار ومعهم وسائل الاعلام الروسية بتصعيد نبرة الخطاب الناري.
ما بدا لإدارة بايدن الجديدة وكأنه مجرد استعراض للقوة قد يكون آخذاً بالتحول الى شيء آخر أخطر. فمقاطع الفيديو التي تتداول عبر وسائل التواصل الاجتماعي باتت تعرض ما يبدو وكأنه ارتال من المركبات العسكرية تتوالى على المنطقة آتية من انحاء بعيدة تمتد حتى سيبيريا، ويفيد تحليل قامت به جماعة استقصائية مفتوحة المصدر تسمي نفسها "فريق تحري الصراعات" أن تلك القوات آخذة بالتجمع الى الجنوب مباشرة من مدينة "فورونيتش" الروسية التي تبعد نحو 250 كيلومتراً عن الحدود مع اوكرانيا، وهي مسافة تكفي للايحاء بأن الغزو الوشيك مستبعد حالياً، لكنها كافية في الوقت نفسه لشد الأعصاب الى أقصى نقطة توتر.
تحريك القطعات من المناطق العسكرية في الغرب والجنوب يتعدى كثيراً ما هو متوقع عادةً في ظروف التمارين العادية، كتلك التي اجرتها روسيا مؤخراً. الأمر المثير للدهشة والقلق معاً بشأن التحشيد في "فورونيتش" هو تلبسه بطابع قتالي، كما يقول "كيريل ميخائيلوف" الباحث في "فريق تحري الصراعات". فالمنطقة محاذية لأجزاء أوكرانيا الواقعة تحت سيطرة الحكومة الأوكرانية لا للمناطق الانفصالية في "دونيتسك" و"لوهانسك" التي يحتاج الوكلاء المحليون فيها الى الدعم الروسي.
صاحب التحشيد العسكري تصاعد في نبرة الوعيد من جانب المسؤولين الروس. ففي يوم الخميس 8/4 حذر "ديمتري كوزاك"، وهو مسؤول كبير في الكرملين، من أن التصعيد الكبير في الصراع سوف يؤذن بما وصفه "بداية النهاية بالنسبة لأوكرانيا"، على حد تعبيره. في الوقت ذاته ثمة تلويح بالتدخل من قبل روسيا التي تحاول تصوير أوكرانيا بصورة المعتدي مع اطلاق تحذيرات بأن كييف تعدّ لعملية تطهير عرقي للروس في الدونباس. في يوم الجمعة 9/4 حذر المستشار الاعلامي الروسي "ديمتري بيسكوف" من ان روسيا قد تجد نفسها مرغمة على التدخل في حالة وقوع ما اسماه "كارثة بشرية على غرار سربرنيتشه"، في اشارة الى مجازر الابادة العرقية لأكثر من 8000 مسلم بوسني على يد القوات الصربية في تموز 1995.
من جانبها صرحت السكرتيرة الاعلامية للبيت الأبيض "جين ساكي" يوم الخميس 8/4 ان الولايات المتحدة تشعر بتوجس متنامٍ ازاء تزايد الاعتداءات الروسية في المنطقة، وفي يوم الجمعة 9/4 تحدث وزير الخارجية "أنتوني بلنكن" مع نظيره الألماني "هايكو ماس" وشدد الاثنان على اهمية الوقوف الى جانب أوكرانيا بوجه ما وصف بأنه "الاستفزاز الروسي من جانب واحد".
منذ ان وضعت اتفاقية 2015 نهاية لأسوأ المعارك وفتحت الطريق لحالة من الهدوء المشوب بالتوتر واصل الصراع والخطاب العدواني اندلاعهما حيناً وخبوهما حيناً آخر، بيد أن القادة الغربيين يشعرون بتوجس واضح، ففي يوم الخميس 9/4 أوردت تقارير الاخبار ان الولايات المتحدة تدرس مسألة ارسال سفن حربية الى البحر الأسود لإظهار الدعم.
رغم ذلك يستبعد المراقبون الذين يتابعون الصراع منذ وقت طويل حدوث غزو شامل. يقول "أندريه كانديلار تايلر" من مركز الأمن الأميركي الجديد: "لا أزال أرجح ان المغزى هو الاستعراض وإرسال اشارات، ولكن لا يستطيع احد ان ينفي امكانية تحول الموقف الى ما هو أخطر".
يبقى الهدف من وراء التحشيد العسكري مبهماً ولكن الخبراء يلفتون الانظار الى بعض العوامل الداخلية في روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة. ففي روسيا تستمر شعبية الرئيس "فلاديمير بوتين" بالانخفاض الى أدنى حدود بلغتها على الاطلاق، والكرملين يجاهد في مقارعة الجائحة، كما شهد شهر كانون الثاني الماضي احتجاجات جماهيرية في عموم البلاد عقب اعتقال زعيم المعارضة "أليكسي نافالني" الذي دخل اضراباً عن الطعام في الاسبوع الماضي للمطالبة بتوفير العلاج الطبي له بعد تدهور حالته الصحية.
الرئيس الأوكراني " فولوديمير زيلنسكي" يتبع هو الاخر خطاً متشدداً تصاعدياً ضد روسيا، كما فرض عقوبات على "فكتور ميدفيدشوك" حليف بوتين وأغلق ثلاث محطات تلفزيونية تسيطر عليها نخبة من القلة. شعبية زيلنسكي مستمرة ايضاً بالهبوط وهو يناضل من اجل انهاء
الحرب.
ربما كانت موسكو تعتقد ان بإمكانها استفزاز زيلنسكي ودفعه تحت وطأة أجواء التوتر الى التورط بتحرك في الدونباس يجعل الرد الروسي مبرراً – اي مثلما فعلت في جورجيا في العام 2008 عندما انزلق الرئيس الجورجي السابق "ميخائيل ساكاشفيلي" الى الحرب حول مسألة انفصال اوسيتيا
الجنوبية.
ثم هناك الإدارة الجديدة في واشنطن. فالرئيس "جو بايدن" من الملمين بأحوال أوكرانيا لأنه عمل في ادارة الرئيس الأسبق "باراك أوباما" بصفته الشخص المسؤول عن تولي شؤون الصراع هناك. يقول كانديلار تايلر: "اعتقد ان هنالك بعض القلق في الكرملين من ان يقع زيلنسكي تحت طائلة شعور بأن مجيء ادارة بايدن سوف تتيح له فسحة للتحرك والاقدام على امور لا تسر موسكو".
قد يرغب بوتين في نهاية المطاف أن يعيد لعبة 2008 ولكنه لا يملك الأوراق المناسبة لها على الطاولة.
يقول "تاراس كوزيو"، وهو استاذ في الجامعة القومية التابعة لأكاديمية كييف موهيلا: "ما يرغب فيه بوتين قد لا يكون الغزو بل تكرار ما حدث في جورجيا في العام 2008، غير أن زيلنسكي ليس ساكاشفيلي". متنوعة لها، وتدخلات اجنبية سافرة، اما على مستوى ما ظلت تبرر به دائما، وهو بناء ونشر ديمقراطيتها، فهي ديمقراطية متعثرة لم تتقدم أبدا.
أيمي مكينان/
عن مجلة "فورن بولسي"