التصوفُ طريقٌ نحو الحب المطلق

آراء 2021/04/20
...

  علي جرادات
لقد عرفت الكثير من الشعوب ما يعرف بالمذاهب الباطنية، أو الغنوصية، وليس الإسلام بعيدا عن هذه المناهج، فلقد عرف التاريخ الإسلامي أيضاً تلك المدرسة بشقيها الصوفي عند المذهب السني، والعرفاني عند المدرسة الشيعية.
وعُرفت هذه المدرسة بمصطلحاتها الخاصة ومعجمها المجازي المتفرد، وقامت على مفاهيم خاصة جداً، مثل وحدة الشهود، ووحدة الوجود، والحلولية وسواها. 
لقد ارتبط التصوف في التاريخ بتلك المنظومة التي رفعت من قيمة الحبّ كدين، وحاولت تحليل صفات الجلال والجمال للذات الإلهية، وارتكزت على الحَيرة كأحد التجليات الكبرى في مقاربة مفهوم الألوهة، فتميزت بالتركيز الواسع على مفهوم أن الإله المطلق لا يمكن إدراكه على الحقيقة، فما عرفَ الله سوى 
الله!.
هذا الوعي الثوري لدى المدرسة الصوفية، سيقودها في العمق لمفهوم لم ينل حظه الكافي من الدراسة لدينا كعرب، وهو تعدد الطرق للوصول إلى المطلق، بتعدد العاشقين، وأن الطريق إلى جناب الألوهة لا يكون إلا بالعشق والسجود في محراب المحبة الكاملة. 
وهي بذلك تنطلق من مقولة أساسية نُقلت عن الإمام علي – عليه السلام – يقول فيها: "من عرف نفسه عرف ربَّه"، والتي اعتقد أنها المقولة التي كانت اللبنة المحورية لكتاب صوفي عظيم هو المثنوي لمولانا جلال الدين الرومي، الذي نجد عند مطالعته أنه يرتكز في كل تنويعاته الشعرية على هذه الفكرة، فلا طريق للإله إلا من خلال معرفة 
أعماقك. 
هذه النظرية التي سيسميها صوفي كبير هو ابن عربي بنظرية الجعل، وتقوم على أننا في أعماقنا لا نعبد الإله في إلهيته الصافية، بل بما جُعل وانطبع في دواخلنا من صورته فينا، ومن هنا جاء في نظري مفهوم الباطنية لدى هذه الطائفة، وهي تركيزها الدائم على بواطن الأمور ودواخلها، لذلك قسمت الدين إلى ظاهر هو الشريعة وطقوسها التعبدية، والحقيقة التي هي أنوار الإلهام الداخلي وفهم ما وراء اللفظ والحرف. 
من هنا، بنت الصوفية علاقتها مع الإله على المحبة الحائرة، والبحث الدؤوب عن صورته كنور يتجلى للعباد، التي تعتبر أن الدين هو تجربة متفردة وسلوك صارم، يسبر غور الوجود كمحاولة للفناء الكلي في صفات الجمال العلوي. 
إنَّ الصوفية هي محاولة جادة لاختراق جدار الظواهر والعبادات الباردة، للانعتاق من الجسدية المحدودة إلى سلطان العشق اللامحدود، بحيث تتحول العلاقة – الجدلية بين الصوفي والإله لنوع من الجنون بأبدية المعشوق الأوحد. 
كم نحن في هذا الزمن الذي طغت عليه معالم الجمود، ولبس رداء الدعشنة بحاجة لهذه المفاهيم التي تمد يدها لكل الطوائف والأديان باحثة فيها عن صورة الإله المعشوق الذي لا يمكن حصره في وعي ديني من دون سواه، ناظرة لجميع الأديان على أنها صور روحية في محاولة فهم حقيقة المطلق 
اللامتناه.