من يقلق الأوضاع في الشرق الأوسط؟

آراء 2021/04/20
...

 باول بلر 
 
 ترجمة واعداد: أنيس الصفار     
الان، وإذ يبدو ان الالتزام بالاتفاق النووي مع إيران آخذ بالعودة الى مساره، حري بنا ان نتأمل كم كانت القيود التي قبلت إيران بها حين وقعت الاتفاق استثنائية وشاذة. تلك القيود فرضت تحديدات تجاوزت القواعد العامة المطبقة على غيرها والتي أتاحت لدول اخرى ان تواصل تخصيب اليورانيوم كما تشاء. هناك دول استطاعت تفادي القواعد الدولية والمراقبة بالكامل ومنها دولة في الشرق الأوسط استطاعت ان تبني لنفسها ما يعلم الجميع انها ترسانة كاملة من الاسلحة النووية، 
رغم عدم اعترافها بها.
 
                               
لقاء قبولها بتلك القيود المسرفة والخضوع للرقابة لم تفز إيران بأية مكاسب خاصة، فهي لم تكن تنشد لبرنامجها النووي مثلاً ذلك النوع من المساعدات الذي سعت اليه، وربما حصلت عليه، دول اخرى على الجانب الآخر من الخليج. كل ما كانت إيران ترجوه هو ان تلقى معاملة طبيعية كأي دولة أخرى.
الولايات المتحدة من جانبها لم يكلفها توقيع الاتفاق شيئاً، لا بصيغة مساعدات ولا بأية صيغة اخرى سوى رفع عقوبات كانت الغاية منها اصلاً حث إيران على التفاوض حتى انتهت بالاتفاق المذكور. لذا كان رفع العقوبات مكسباً للاقتصاد الأميركي
 لا خسارة.بل ان الولايات المتحدة لم يترتب عليها حتى الوفاء بالتزاماتها وفقاً للاتفاقية إلا بعد التحقق من وفاء إيران وهذا يشمل التخلي عن معظم ما عندها من اليورانيوم المخصب وتفكيك اجهزة الطرد المركزي وايقاف مفاعلها النووي واستكمال كافة الاجراءات الأخرى التي تلزمها بها
 الاتفاقية. على اساس هذه الخلفية ليس مفاجئاً ان يميل كثيرون في الحكومة الإيرانية، لاسيما المتشددون، الى الاعتقاد بأن إيران قد غبنت بهذه الصفقة. كذلك ليس مستغرباً ان يتحدث المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي عن ضرورة “التحقق” أولاً من رفع الولايات المتحدة عقوباتها لأنه وسائر المسؤولين الإيرانيين الذين يشعرون بألم التجربة السابقة يرفضون التخلي عما يمتلكون من قوة قبل التأكد من إقبال الولايات المتحدة على الاتفاق بالكامل.
رغم جوانبه الإيجابية للولايات المتحدة ولقضية منع الانتشار فإن للاتفاق النووي الإيراني جانبا سلبيا مؤسفا ايضاً وهو ترسيخ الفكرة بأن إيران فقط قد استهدفت بمعاملة ومعايير لم تطبق على غيرها في المنطقة. لكن توفر مجموعة من ظروف معينة هو الذي جعل الاتفاق ممكناً، فمن الواضح ان إيران ارتأت ان السعي الى السلاح النووي لن يخدم مصالح إيران بأي حال، وعلى اساس هذه القناعة تحققت لدى الإيرانيين القناعة فوقعوا على اتفاق يغلق بوجوههم، دون غيرهم، كل السبل الممكنة للحصول على هذا السلاح. 
ليس معنى هذا ان القادة الإيرانيين سيرتضون ان تستهدف أمتهم بالاسلوب نفسه في الشؤون الأخرى اللانووية، لاسيما تلك التي تخص أمنهم القومي. فالإيرانيون يعيشون في محيط صعب، وهناك انظمة عديدة في المنطقة تسعى بقوة لفرض حضورها ونفوذها بأساليب مخالفة للقانون الدولي والاعراف المقرة، وفي كثير من الاحيان تكون إيران هي الجانب المتلقي. أي فقرات تدرجها أميركا كمخالفات ضد إيران لا تكون محصورة عادة بإيران وحدها، لنأخذ مثلاً وصف “الدولة الراعية للارهاب” الذي استند الى حوادث معينة نسبت الى إيران على مدى اربعة عقود من عمرها. بيد أن هذه الحوادث لا تقتصر على إيران، واللاعب الخبير الأنشط في هذه اللعبة هي اسرائيل. 
حتى بمنظار السياسات الاقليمية الأوسع التي قد توصف بأنها “إرهاب” لا تشير الاحداث الى أن إيران بالتحديد كانت اكثر نشاطاً من غيرها. ففي سوريا تدعم إيران النظام القائم، ولكن في المعسكر المقابل تقف جماعات مثل تنظيم القاعدة، وهذه لا تتلقى الدعم من إيران بل من دول اخرى في المنطقة.
في العراق دعمت إيران، وكذلك الولايات المتحدة، الحكومة العراقية في اقتلاع “دولة الخلافة” التي أقامتها عصابات “داعش”. ذلك الدعم قدم معظمه عبر فصائل عراقية وهذه ليست تابعة لإيران، رغم بعض التسميات الموحية، بل هي تمثل اجزاء مهمة من أجهزة الأمن العراقية.
تصوير إيران بأنها دولة ارهابية فريدة بين الدول كان مما روجت له إدارة ترامب حين كانت تكيل العقوبات لها بذريعة الارهاب، لكن ذلك التحرك في الحقيقة لم يكن في اطار الرد على سلوكيات إيرانية معينة، بل ذريعة لبناء جدار من العقوبات يعرقل مساعي الإدارة التالية إذا ما حاولت انقاذ الاتفاق النووي.
الأفعال التي أقدمت عليها إيران خلال العقد الماضي، ووصمت بالارهاب حسب تعريف وزارة الخارجية الأميركية، كانت في الحقيقة ردوداً على أفعال مماثلة ارتكبت بحقها. فالهجمات الإيرانية على الدبلوماسيين الاسرائيليين كانت في معظمها ردوداً على سلسلة الاغتيالات التي طالت علماء إيرانيين كان آخرهم عالم ذرة اغتيل بضربة اسرائيلية في شهر تشرين الثاني الماضي. فهل يحق اتهام إيران وحدها بالإرهاب وهي إنما ترد على ما يرتكب بحقها ويقابل بالتجاهل او التغاضي؟
الشيء ذاته يمكن ان يقال عن العنف السياسي المزعزع للشرق الأوسط واللجوء للقوة العسكرية، فكل ما أقدمت عليه ايران لا يقارن بما نفذته دول اخرى من حملات عسكرية مدمرة، ومن جديد تبرز اسرائيل هنا إذ تواصل هجماتها الجوية داخل سوريا كما تشن حرباً بحرية غير معلنة في البحر الأحمر وشرق المتوسط، ناهيك عن تواصل عمليات التخريب السيبراني. الاجراءات التي اقدمت عليها إيران هنا ايضاً كان اساسها رد الفعل.
يكثر الحديث عن الصواريخ البالستية. أجل، فإيران لديها صواريخ، ولكن باقي دول الشرق الأوسط تملك الصواريخ ايضاً وبعضها موجّه إلى إيران بالفعل. هذا السباق انطلق في الثمانينيات عندما حصلت بعض دول الخليج سراً على ترسانة كبيرة من الصواريخ الصينية متوسطة المدى. لا ننس ايضاً ان القوة الجوية الايرانية بالية وقديمة الطراز وهذا لا يبقي في يد إيران من وسائل تردع بها خصومها
 إلا الصواريخ.
من كل ما سبق نخرج بثلاثة، أولاً ان التركيز الأميركي المعهود على إيران دون سواها يرسم تصورات مشوهة وناقصة عن مصادر زعزعة الأمن وإشاعة عدم الاستقرار في المنطقة.
ثانياً.. ينبغي الاقرار بأن الاتفاق النووي الإيراني يمثل فرصة موفقة للتعامل مع الشأن النووي، لذا من الافضل عدم توسيعه لجعله شيئاً غير ما كان في البداية ولا هو ممكن الان.
ثالثاً.. إذا ما كتب للاتفاق النووي ان يعود الى الحياة فسيترتب على مفاوضات المتابعة اللاحقة ان تتجاوز النظرة الضيقة المركزة على إيران وحدها. 
فالاتفاقيات الوحيدة التي يمكن ان تنجح في تقييد صواريخ إيران هي تلك التي ستفرض قيوداً مماثلة على سائر دول الشرق الأوسط، لأن الطريق نحو شرق اوسط اكثر استقراراً وأمناً لا يمر عبر تكتيف لاعب واحد في الحلبة بل في حسن إدارة الخلافات بين سائر الاطراف المتخاصمة وإيجاد حلول تمكنهم من التعايش
 بسلام. 
عن موقع “ذي ناشنال إنتريست”