التاريخ يتحدث في رواية الكائن الظل لإسماعيل فهد إسماعيل

ثقافة 2021/04/20
...

 دعد ديب 
 
بخبرة روائي مخضرم عارف بخبايا الصنعة الروائية يدخلنا اسماعيل فهد اسماعيل إلى عوالم الخيال والماورائيات والأجسام الأثيرية، ليسحب القارئ إلى متاهات الحيرة والسؤال في روايته "الكائن الظل"الصادرة عن دار مسعى، في تمثل عميق لعوالم مابعد الحداثة في موضوعة السرد لجهة التشكيك والارتياب وتداخل الواقع مع المتخيل، ليعيد قراءة التاريخ من وجهة نظر تختلف عن السائد المتعارف عليه والذي كان، فالطالب الذي يحضر لرسالة في الدراسات العليا عن العصر العباسي يختلط عليه الأمر وهو ينقب في كتب التراث ورواة ذلك العصر، إذ تبدأ أبطاله بالمثول أمام ناظريه منبثقة من جدار المكتبة، بدهشة تصيب المرء لاستقدام ذلك الزمن بشكل سينمائي نابض لعرض تفاصيله وأحداثه من معارك ودسائس وخصومات وقصص عشق عبرت ومرت في بغداد حاضرة الخلافة العباسية، ليعيد استنطاق الأحداث من خلال حضور شخصية حرامي بغداد المشتهر باسم "حمدون بن حمدي، والحوار بينه وبين طالب العلم، الأمر الذي اشتمل على مساحة العمل بأكمله، بفهم جديد"لعالم اللصوص وفلسفتهم يعرضها بشكل يشابه عالم الصعاليك والفتوات التي تتجلى فيها الكبرياء والشهامة والرجولة، وقد أضاء عليها من خلال كتبهم التي تتحدث عنهم وخاصة كتاب عن اللصوص وزعيمهم ما اصطلح على تسميته بشيخ الكار عثمان الخياط مثل كتابه "لزوميات الانضباط من تعاليم عثمان الخياط" وبعض المراجع تحت اسم "وصايا عثمان الخياط للصوص والشطار".
إذ يصرح بأن "اللصوصية" بعيدا عن زمانكم قرينة الحرية، والذي يحترف الحرية لا يستسيغ سواها" فذلك العالم لديه قيم ومبادئ وأصول مقارنا بين حالهم وحالات الغزو التي كانت منتشرة إبان ذلك الزمن،  ومفندا حالات الغزو للأمم التي تسبي بعضها بينما اللصوص يأخذون مال الغدرة والفجرة، فهم أعذر من سواهم والخلاف بالتسمية وحسب، ومن مبادئهم ما جاء في الكتب :"اضمنوا لي ثلاثا أضمن لكم السلامة، لا تسرقوا الجيران، واتقوا الحرم، ولا تكونوا 
أكثر من شريك مناصف، وإن كنتم أولى بما في أيديهم لكذبهم وغشهم وتركهم إخراج الزكاة وجحودهم الودائع"، في زمن يموج بالدسائس والمؤامرات والفتن، عهد اقتتال الأمين والمأمون على الخلافة والسلطة والملك، كإطار زمني للفترة المروى عنها معرجًا على أكثر من شخصية تاريخية تجلت بحوار معن بن زائدة مع مسرور سياف هارون الرشيد الذي احترف السرقة بعد إبعاده عن بلاط الخليفة وتفوقه بالكرم على ابن زائدة بقوله "أنت لم تهب كل ما تملك يومًا ما، ولكني فعلت أنا وهبتك ثروتي كلها، وهبتك حياتك" لأنه لو سلم رأس ابن زائدة للخليفة لحاز على المكافأة الضخمة الموعودة واستعاد ثقة الخليفة به من جديد.
اللص الآتي من عمق التاريخ ملاحقًا قصة عشق "بالمشهد المسرحي الأثيري المتخيل لنعرف من خلاله حكاية مصرعه عبر استدراجه غيلة من قبل ابن شيرازاد "الحاكم الظل" إلى مقصلة الموت وهو يحلم بالعشق والمحبوبة، والراوي الذي يلبس جسده مسوقا إلى منصة إعدامه بفانتازيا غرائبية، كمحاولة لإنقاذ الحب الذي كان متوهجًا ذات اتقاد، وكأنها رسالة أو شيفرة سرية إلى زمننا من عالم الغيب، ليعلو الحب كقيمة فوق كل الصراعات والحروب. 
تتميز لغة اسماعيل فهد اسماعيل بوصفه أبرز الروائيين العرب ومؤسس فن الرواية الكويتي بلا منازع بتفرد خاص باستخدامه لضمير المفرد"أثارني - أفحمني-تحضرني وسواها الكثير، فضلا عن فتح نافذة التأويل على مداها بالنسبة للجمل المتعددة وغير المكتملة معتمدا فيها على مهارة قارئ حاذق، بفهم معناها المضمر ناهيك عن الحمولة المعرفية باستحضار أشعار مالك بن الريب وفلسفة معانيها بوصفه أحد اللصوص التائبين لعهد قطعه وكان فيه نهايته. 
رواية الكائن الظل على الرغم من عدم تجاوز عدد صفحاتها مئة وأربعة عشرة صفحة ولكنها احتشدت بالتاريخ والشعر والفلسفة بتفسير حداثي متقدم للتاريخ ورؤية مغايرة لزمن مضى.