في قصيدة لروبرت بلاي.. الوقائع التراجيدية التي تغير حياتنا للأبد

ثقافة 2021/04/21
...

  محمد تركي النصار
 
روبرت بلاي هو لغوي، وشاعر، ومترجم، وكاتب من الولايات المتحدة الأمريكية ولد في ماديسون عام 1926.
يعد بلاي من كبار المدافعين عن قصيدة النثر في الأدب الأميركي كشكل أدبي. نشر أكثر من عشرين كتاباً من القصائد والترجمات الشعرية، وكان آخر ديوانين أصدرهما هما "الليلة التي نادى فيها إبراهيم الكواكب"، و"كان حكمي ألف عام من المتعة". أما دواوينه التي تحتوي على قصائده النثرية فهي "عظمة الصباح"، و"هذا الجسد مصنوع من الكافور وخشب الجفْر"، و"ما الذي سبق أن فقدته بالموت؟".
 قصيدة (القطار المدفون) ليلاي يتحدث عن القطار الذي يقول الناس بأنه دفن في انهيار جليدي وربما تحت الثلج في كولورادو، لكن لا أحد شاهد ماحدث، حيث كان هناك دخان يتصاعد من الماكنة خفيفا فوق أشجار التنوب والمحرك  ظل يصدر ضجيجا:
أخبرني عن القطار الذي يقول الناس انه دفن
تحت الانهيار الجليدي،
هل كان ثلجا؟
وقد حدث ذلك في كولورادو، لكن لا أحد رأه
اذ كان هناك دخان في الماكنة يتصاعد خفيفا
خلال أشجار التنوب، والماكنة كانت تصدر ضجيجا
وكان هناك جمع من الناس داخل القطار يقرأون، بعضهم يقرأ في كتاب لثورو وآخرون في كتاب لهنري وارد بيتشر، بينما كان المهندس يدخن ويخرج رأسه من النافذة.
 ويتساءل المتحدث عن وقت حدوث تلك الواقعة، هل كانت بعد انهاء مرحلة الثانوية أم عندما كان بعمر سنتين، حيث (دخلنا هذا المكان الضيق, وسمعنا الضجيج فوقنا)، ولم يستطع القطار أن يتحرك بسرعة كافية:
اتساءل : متى حدث ذلك، هل حدث بعد اكمالنا المرحلة الثانوية 
أم عندما كان عمرنا سنتين؟
اذ دخلنا هذا المكان الضيق، وسمعنا ضجيجا فوقنا 
والقطار لم يستطع أن يسرع أكثر
 ومن الصعب تحديد ماحدث بعد ذلك، حيث يوجه المتحدث الاول سؤالا ربما لمتحدث ثان وربما لنفسه: هل كنا مستمرين في الجلوس داخل القطار بانتظار اشعال الانوار؟ وهل ان القطار الحقيقي فعلا دفن تحت الجليد،
وفي الليل يأتي شبح القطار مواصلا سيره؟
تبدو هذه القصيدة حوارا بين شخصين يناقشان شيئا ما أو بين شخص ونفسه.
المتحدث الاول يسأل مكررا اسئلته عما حدث بالفعل وهو مرتبك بشأن الحقائق بما في ذلك موقع الحادثة، طبيعة التفاصيل، الزمن، وماترتب على تلك الواقعة، ولايبدو انه مقتنع بما يتلقاه من أجوبة.
اما المتحدث الثاني فقد مر بالتجربة نفسها مثل المتحدث الاول ويبدو انه عارف بالتفاصيل وهما بعمر بواحد، متسائلا هل حدث ذلك عندما كان (عمرنا سنتين )، متقنا الاجابة على السؤال الاول ومجيبا على السؤال الثاني بهدوء، تاركا السؤال الثالث بدون إجابة، وفي بعض الحالات يبدو المتحدث الثاني هو المتحدث الاول مجيبا على اسئلته التي يطرحها على نفسه.
وجهات نظر المتحدثين تبدو هادئة ويتم الحصول عليها عن طريق الحوار .
المتحدث الاول مضطرب بشأن الحالة، اما المتحدث الثاني فلا يبدو انه ملم بجميع الحقائق.
وللحالة الدراماتيكية التي حدثت فان كلا المتحدثين يبدو كئيبا، وبطريقة ما يحاول المتحدثان أن يجدا منطقا وتفسيرا مقنعا لما وقع.
تتألف القصيدة من أربعة مقاطع بلا تقفية، المقطع الاول يسأل فيه المتحدث عن القطار المدفون ويستلم جوابا مفصلا، وفي المقطع التالي يستمر الجواب مفصلا مؤكدا عادية الحادثة، وفي المقطع الثالث يسأل المتحدث عن زمن الواقعة غير ان الاستجابة تصف الحادثة ولاتجيب عن السؤال مايعكس ان المتحدثين غير ملمين بطبيعة التفاصيل.
صورة القطار وأضواء الجليد تمثل المشاكل الاعتيادية في حياة المرء وما نتمناه. المتحدث لديه شيء تم تحطيمه، الجليد يمثل حالة تراجيدية تغير حياة المرء، والقطار المدفون يمثل مأساة مخفية في حياتنا، اما الاضواء فتمثل الامل بأن المأساة من الممكن تجاوزها وان القطار (رغبتنا) سيعمل مرة اخرى.
شبح القطار يمثل تأثير الوقائع المؤرقة التي تتكرر في حياة الانسان وتقض مضجعه: 
ولم يكن واضحا ماذا حدث بعد ذلك.
وهل لانزال أنا وأنت جالسين هناك في داخل القطار،
منتظرين أن تشتعل الأضواء؟
أم ان القطار الحقيقي دفن فعلا 
وكل مايحدث هو ان يزورنا شبحه ليلا
مواصلا المسير.
مكان الحدوث هو كولورادو الهادئة المسالمة واستخدام اشجار التنوب يكون لتعزيز الجوء المسالم في القصيدة ظاهرا، وحتى اختيار اسم الكاتب ثورو يتناغم مع هذا الجوء الهادئ فهو كاتب يهتم بالطبيعة والبساطة، والركاب يقرأون وهو فعل هادئ أيضا، وحتى الدخان يتصاعد خفيفا والمهندس يدخن أيضا.
تبدو قصيدة (القطار المدفون)للوهلة الاولى قصيدة بسيطة عن قطار مدفون تحت الجليد في مكان مسالم هو كولورادو لكنها تخلق وضعا متوترا لكيفية تأثر حياة المرء بواقعة مأساوية حيث يعبر المتحدث عن مخاوفه وقلقه متسائلا عن امكانية أن تعود حياته الى سابق عهدها قبل أن تضربها العاصفة الجليدية التي تظل أشباحها تتردد كما لو انها مصير لايمكن الفرار منه.