في تجديد المعرفة

ثقافة 2021/04/21
...

طالب عبد العزيز 
 
تشكّل كتب الشعر والرواية والنقد الادبي والفني الحصة الاكبر في عملية التأليف في ثقافتنا العربية والعراقية بخاصة، وربما يكون عددُ كتب الشعر هو الأعلى في مجمل ما ينتج عن مطابعنا، في تغييب شبه كامل لصنوف كتابية أخرى، لا تقل أهمية لدى قارئنا، الذي يتوجب علينا كنخب كاتبة احاطته بها، إذ تقع علينا مسؤولية التصريح بأولوية حاجاته، وتقديم الفرص الأبلغ والضرورية له، في سبيل الارتقاء بمستوى وعيه وتفكيره، وعلينا أن نقولها من دون أدنى ريب: بأنه بات يضيق ذرعاً بما نكتب له من شعر وترّهات. 
 تحت إغراء الجوائز التي تعمل على إشاعتها المؤسسات الثقافية في الخليج ذهب المئات من الكتاب في وطننا العربي لكتابة الرواية، حتى باتت مقولة (هذا زمن الرواية) شعاراً لدى دور النشر العربية، ومثلهم ذهب الشعراءُ والنقادُ والاكاديميون والباحثون، وكلهم يدور في فلك الادب، في سعي محموم لنيل الجوائز، مع معرفتنا بالآلية التقليدية المتاحة هناك، والتوزيع البلداني السنوي لأسماء الفائزين، والسِّمة المتخذة للجان المشكلة للغرض هذا وغير ذلك، وقد نجد العذر لذلك عند البعض من الاسماء المحترمة، لكننا، نتحدث عن ثقافة أمة كبيرة، والمسؤولية التي تقع على عاتق أفرادها ومؤسساتها، مع عنايتنا بما يمكن تسميته بالمقاربة البسيطة بين ما يحدث في ثقافات الأمم الأخرى وثقافتنا.
على وفق ذلك نجرؤ ونقول: إن الجوائز تلك قائمة كمصدّات ثقافية، تعمل على سلب ثقافتنا حقها في التنوع، وانها (الثقافة) في حال لا يسر، وتسير الى نهايتها المخيفة، ذلك، لأنَّها تقتصر على تقديم الادب وتعزف عن تقديم سواه، الذي منه العلوم المختلفة والنظريات والرؤى العميقة التي تبحث في الاجتماع والسياسة والسينما والفلكلور والتراث وحتى فنون الطبخ وموديلات الملابس وصولا الى نقد المعتقدات والعادات وما الى ذلك، والتي تشكل نقطة الشروع في البناء المجتمعي الصحيح، ومواكبة التحولات الكبرى في العالم، لأنها علوم وفنون تعتمد البحث والتشكيك والقناعة، غير المنحازة وغير المتخَيلة، كما يحدث في الشعر والأدب بعامة، طارحين وراء ظهورنا المقولة الأشد بؤساً (الشعر ديوان العرب).
   في كتاب (ذاكرة السفن الشراعية في الخليج العربي) تأليف ديونيسيوس آ. آجيوس بترجمة عبد الإله الملّاح، وهو كتب يفصح عنوانه عن مادته. يتحدث مؤلفه عن الصعوبة البالغة التي كابدها في جمع مادته، لقلة المصادر المكتوبة بالعربية في منطقة الخليج، فصار لزاماً عليه أن يستعين بالمصادر الانجليزية والاسبانية والالمانية. ولعلنا جميعاً نتفق على أنَّنا ما زلنا نجد ضالتنا بمعرفة تاريخ وحياة شعوب منطقتنا هذه خلال القرون الثلاثة أو الاربعة الماضية في كتب الرحالة الأوروبيين، أمثال لونكرك ورينهولت وآدم متز ومدام ديلافوا وغيرهم. هل يجدر بنا القول بأن كتابنا ومحدثينا ومؤرخينا يومذاك، كانوا لا يعرفون من فنون الكتابة أكثر من شعر النبط وعلوم الدين والحديث؟.