تجميد بايدن مبيعات السلاح للسعودية لا يكفي

آراء 2021/04/21
...

 الكساندر لانغلويس
 
 ترجمة وإعداد: أنيس الصفار 
إعلان إدارة بايدن في 26 كانون الثاني عن تجميد بيع السلاح للسعودية والإمارات العربية يؤشر خطوة مهمة باتجاه إحلال السلام في اليمن، بيد أن ذلك لا يمثل سوى بداية فك ارتباط ناجحة من جانب الولايات المتحدة واللاعبين الاقليميين الآخرين من الصراع عسكرياً. كخطوة تالية ينبغي على فريق بايدن الآن أن يوسع التجميد مع فرض تحولات جدية على سلوك السعودية والامارات لتحقيق أهداف السياسة الخارجية في إنقاذ الأرواح ووضع نهاية للصراع في اليمن، وهذه لن تكون مهمة سهلة بحكم الجذور الجيوسياسية الضاربة عميقاً في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. 
 
زجت السعودية والإمارات بنفسيهما في الصراع بدافع الخوف من الاسلاميين ومن سيطرة الإيرانيين على تحركات الحوثيين، وبما أن لليمن حدودا مشتركة مع السعودية وموقعا قريبا من الإمارات شعرت الدولتان بأن تحقيق القوات الموالية للحكومة نصراً حاسماً على الحوثيين ضرورة مهمة لتثبيت دعائم أمنهما. لكن ثبت ان تلك الخطوة كانت غلطة ستراتيجية كبرى لأنها دفعت الحوثيين اكثر نحو إيران طلباً للدعم كما أسفرت عن تفرق الفصائل اليمنية الى مجاميع عدة، وهذا وسع الميدان أمام الجماعات المتطرفة مثل القاعدة لممارسة عنفها وأطال أمد النزاع.
من خلال محاولتها تلك خلقت اطراف الصراع أسوأ أزمة إنسانية في العالم، إذ يحتاج 80 بالمئة من سكان اليمن الى المساعدات الانسانية للتمكن من مواصلة الحياة، واكثر من 14,3 مليون انسان هم اليوم بأمس الحاجة الى المساعدات. 
الولايات المتحدة كان لها دور في صنع هذه الفاجعة منذ 2015 عبر عملياتها العسكرية المباشرة، مثل تزويد طائرات التحالف السعودي بالوقود جواً، وصفقات السلاح التي أبرمتها إدارتا أوباما وترامب. في العام 2018 أوقفت إدارة ترامب برنامج تزويد الطائرات بالوقود وكذلك عمليات مكافحة الإرهاب في اليمن، ولكنها بخلاف ذلك بذلت جهوداً كبيرة للتوسع في بيع السلاح للسعودية الى ما يقارب الضعفين.
توجت هذه الأفعال بمساعي إدارة ترامب في الايام الأخيرة من عمرها لإتمام صفقات سلاح كبرى وتثبيت جميع الاجراءات المتخذة سابقاً رغم ضغوط اعضاء في الكونغرس الأميركي لوقف تلك الصفقات. شملت مبيعات السلاح القنابل للسعودية بمبلغ 290 مليون دولار وطائرات ومسيرات تطير بلا طيار للإمارات العربية بمبلغ 23 مليار دولار، الى جانب ادراج الإدارة الحوثيين ضمن وصف “منظمة إرهابية أجنبية”.
يؤشر قرار إدارة بايدن بتجميد صفقات السلاح تلك، وسواها من صفقات غير محددة، تحولاً اساسياً في نمط التفكير منذ نشوب ذلك الصراع. الإدارة الجديدة لم تضع الوقت بل بادرت الى الإعلان عن قرارها منذ اسبوعها الأول، جانب من هذا القرار يتعلق بالوفاء بوعد سابق من حملة بايدن بأن يعمل الأخير على جعل السعودية تتحمل مسؤولية أفعالها. بيد أن هذه الخطوة، التي لا بد أن يشيد بها المطالبون بموقف أشد صلابة تجاه ما يقترفه التحالف بقيادة السعودية في اليمن، ينبغي تأملها ايضاً بنظرة تشكك.
من المهم بهذا الصدد أن نلقي نظرة على اجراءات مماثلة أقدم عليها حلفاء للولايات المتحدة، إذ عمدت بريطانيا وكندا في وقت سابق الى تجميد اتفاقيات بيع السلاح لأعضاء التحالف السعودي، ولكنهما لم تلبثا أن قررتا لاحقاً أن اولئك الاعضاء قد استوفوا الشروط القانونية (وفقاً للقوانين المحلية لكل منهما). خلصت الدولتان المذكورتان الى أن السعودية قد حسَّنت بدرجة كبيرة معاييرها القديمة المتعلقة بإيذاء المدنيين على نحو يسمح بمواصلة بيع السلاح لها.
بعيداً عن تلك الاستنتاجات يمكن لأي تحليل عقلاني للموقف أن يكشف أن الاسلحة التي أرسلتها الدولتان قد ألحقت الأذى بالمدنيين بصورة مباشرة او غير مباشرة، إذ تورد تقارير المنظمات المحلية من داخل اليمن أن الأذى يصيب المدنيين على يد جميع أطراف الصراع في كل يوم. تأتي الضربات الجوية على رأس الأسباب المؤدية الى هذا الأذى، وفي أغلب الحالات تتضمن تلك الضربات اسلحة مصدرها بريطانيا أو كندا او استراليا او الولايات المتحدة. هذه حقائق لا يمكن ان تتجاهلها المراجعات الضبابية لمبيعات الاسلحة أو عمليات
 نقلها.
قرارات تجديد صفقات بيع الاسلحة هذه ما هي إلا انعكاس لرغبة زعماء العالم في تحقيق المكاسب المادية والمصالح الجيوسياسية على حساب الاعتبارات الانسانية، لذا يتعين على ادارة بايدن ان تكسر هذا النمط، كما ان عليها بموجب القانون الانساني الدولي، التزاماً قانونياً بأن تخرج الولايات المتحدة من اي بند تعاقدي تمليه اتفاقات أبرمتها الادارة السابقة.
عدا هذا فإن مبيعات السلاح تلك تنتهك ما يسمى “قوانين ليهي”، وهي قوانين أميركية داخلية تحظر على الولايات المتحدة تقديم المساعدات الأمنية الى قوات الأمن الأجنبية التي تنتهك حقوق الإنسان.
لذلك، وكخطوة تالية، ينبغي على أية مراجعة تجرى أن تخلص الى نتيجة مفادها ان مبيعات السلاح الأميركي لأية دولة او جماعة تعمل في اليمن لن تكون قانونية بمعايير القوانين المحلية والدولية. مثل هذه النتيجة سوف تسمح لإدارة بايدن أن تلقي بثقلها في كفة تعليق مبيعات السلاح من اجل الضغط على السعودية والإمارات ودفعهما للجنوح الى الاعتدال في سلوكهما، ومن بعد ذلك العمل تدريجياً على تحقيق السلام في اليمن.
هذه المراجعة الأولية تؤشر في نهاية المطاف لحظة حساسة في قصة حرب اليمن الطويلة. لقد مثلت المراجعة المذكورة نقطة رخاء في بلدان أخرى قبل أن تعقبها خيبة الأمل ثم بقاء الوضع الراهن كما هو، ولكن إدارة بايدن قادرة على كسر هذا النمط وشق طريق نحو السلام وتحقيق أيام افضل لشعب اليمن في نهاية
 المطاف.
(ملاحظة: في وقت لاحق لهذه المقالة، في يوم 4 شباط، أعلنت إدارة بايدن عن ايقافها الدعم عن السعودية في حرب اليمن.)  
 
عن موقع “ذي ناشنال إنتريست”