قراءة في زلزال مروان عادل

ثقافة 2021/04/25
...

  علوان السلمان
الشعر رسالة الشاعر ونبوءته الخاصة به.. ورؤياه المرتبطة بلغته التعبيرية.. بتوظيفه ألفاظا يومية بعيدة عن التقعر والضبابية والغموض.. ألفاظا ليست منفصلة عن تجربته الشعرية وعالمه.. فهي جوهرها.. ومكمن الجمال في تراكيبها.. كونها كائنا حيا متطورا يمتص طاقات الإنسان وتحدياته.. 
ومروان عادل واحدٌ من الشعراء الذين حققوا ذواتهم من خلال قصيدته (الزلزال) التي كتبها لتقرأ في مهرجان الجواهري الأول.. وفيها يلتمس المعمار الفني المدروس بدقة.. فهي لم تسقط في التقريرية والسذاجة.. إذ لا نجد حشوا في حوارها أو نشازاً في تناغمها ليفسد الشفافية في القصيدة وغنائيتها.. فالشاعر يغدو متمردا عبر مقاطعها.. كونها تعبر عن صدق المعاناة والتمكن من الإمساك بتلابيب أجزاء القصيدة لتكون وحدة واحدة بحيث لا يسمح لقارئ القصيدة من الإفلات عن شرنقتها..
 
الميتون..
على الطريق بكائهم..
حملوا اشارات الدموع..
ولوحوا للمشرعين
فالانهيارات التي أكلت بنايات المحبة..
بانتظار الآخرين..
  إن الشاعر في قصيدته يستجيب لقوة الهاجس الشعري وسطوته بصياغة التقابل الصوري.. فيبني مشاهد شعرية متكاملة ويعرف جيداً المطابقة بين الخطاب الشعري والموسيقي والتشكيلي..
يا حارق البنزين في الطرق السريعة..
نحو أرض الروح قف..
للميتين..
وأحمل قصائدهم معك..
فخرائط الشعر الأبي هي الطريق..
لكنز مشاعرها الدفين..
 
وهنا تطويق يطوقنا به الشاعر.. مذكرنا بغربته عن عالم يشهد له بأوجاعه المتيبّسة.. لذا فهو مقال رائع لحداثة الخطاب الشعري..
فالشاعر في قصيدته يرفض العالم الذي يغيب الشعراء وجنون خطواتهم ويميت أحلامهم اليقظة لجذب خيوط الشمس ونسجها أشعاراً للمعدمين.. وإرواء العطاشى سبيل الحياة.. 
إنه يستعير فضاء النواب الشعري.. فقصيدته تتوالد بصور شعرية صافية تذكرنا بنماذج الشعر العربي الحديث (النوابية) فهي امتداد جمالي له وخاصة في (وتريات ليلية) و"الخارجون على قوانين القصائد منذ أن وضعت.."
 
أرى قوادمهم شعراً إلى الوطن الحزين
وتشرَّبوا العطش الطويل لمائه..
فالمستحون من التراب الحر في أوطانهم يرويهمُ..
ماء الجبين..
 
ويستمر الشاعر في قصيدته التي تعد نوعاً من السقوط في المألوف وحربا ضد الأعراف والمصالح.. فقضيته الوحيدة هي تعميق الإحساس بالوجود وتحقيق حضور الجمال.. وضربته الشعرية هي اللسان الحقيقي للشاعر والتي تمثل الموقف في الشعور ورفض الألعاب..
إنه مثل السكين الحادة التي تجرح اللحظة وتلعن المساومة.. وتقتل اليأس والمجاملة حتى ذاتنا نراها بكل انكسارات القصيدة وتراكيبها..
 
المهرجانات التي داست على رأس القصائد..
عندما.. ألقت بها الألقاب في وحل الوباء
تلك التي كانت تصنفنا على..
حسب التخلي عن مبادئنا..
فأشعار النذالة فوق أشعار الإباء..
واستفردوا بالسامعين..
ولا حساب.. ولا عتاب..
أرأيت ما فعلوه.. أبناء الكلاب..
إن شفافية الشاعر وخطابيته الرقراقة وخلقه الفني للقصيدة تنجمع فيها الاستنفاذات الهلامية الخلابة.. حتى أنه يرتقي في قصيدته إلى مستوى الفنان المبدع الخالق للنص.. فعملية الخلق الشعري عنده تجري بتلقائية وعفوية.. لذا فالقصيدة عنده ردود أفعال صادقة.. إنها عملية استبقاء التجربة التي تعتمد على الاستنباط في حدود الممكن..
الناقلون كتابك الممنوع في قمصانهم..
من تحت أجنحة الظلام، الحافظون كلامه عن ظهر قلب
الناذرون رقابهم..
في ما إذا وقعت بهم خطواتهم..
عند ابن كلب..
 
بهذا استطاع اختراق المجهول وصولاً إلى اللانهائي.. وموجز القول إن أول ما ينتاب القارئ أو السامع لهذه القصيدة الرغبة في التمرد والوقوف ضد الاستلاب.. 
وموت الضمير وتنامي الوعي بضرورة التغيير.. وتسمح للموت أن يدخل من دون جواز سفر.. لأنها الكرامة.. وتسمح للخوف أن ينزلق خارجاً من براكين الروح 
وإسقاط الأقنعة والحدود المصطنعة.. فالشعر ثورة ضد الأعراف والمجاملات.. فهو الكلمة.. الموقف.. الإنسان..  الحب.. الوجود..
لذا فإن قصيدة (الزلزال) تدعونا للتمرد ضد كل ما يعكر صفو الحياة.. وهي إسهامة جديدة لسفرنا الملتزم المضاف للمدرسة (النوابية).. فقد استطاع الشاعران أن يسيطرا على بناء القصيدة المتطورة وأن يمنحاها التركيز مع البعد عن التكلف والمبالغة.. حتى في نداء الغربة.. إذ إن الشاعر يجسدها تجسيداً ويمثلها كأنها كائن يحمل الموقف الايجابي وهو سبيل للوصول إلى الممالك الأخرى وتحقيق الطموح..
 
فلقد نفضنا عن قصائدنا الغبار..
وصفق العمال.. وبكت عيون المنقذين
على الذين تشرَّفوا بالموت..
واختلطوا بتربة أرضهم..
الواقفين الآن أعمدة بطول الصبر..
في الوطن الذي ما زال..
وطنا.. يشيل مبادئاً ما هزها الزلزال