حنون مجيد في صخرة عربيف تأويل ما يمكن تأويله

ثقافة 2021/04/25
...

  جابر محمد جابر
 
صدر للقاص والروائي حنون مجيد كتاباً جديداً في مجال القصة القصيرة جداً، حمل عنوان(صخرة عربيف). يأتي هذا الكتاب، كاضافة لتجربة السارد في هذا الفن الابداعي، ويحمل التسلسل (10) في سلسة اصداراته في مجال القصة القصيرة جداً.
احتوى الكتاب على (212) قصة قصيرة جداً، تباينت مواضيعها وتنوعت بين السياسي والاجتماعي بلغة سردية شفيفة لاتخلو من التهكم والسخرية في نهايات بعض منها، كما لا تخلو من الاستذكار (فلاش باك) عند تعرضه لموضوعة الحرب وما افرزته من تداعيات تركت آثاراً واضحة على المجتمع العراقي.
ما نود أن نشير اليه في هذه الوقفة البسيطة هو إن القاص حنون مجيد استهل كتابه بقصة (الأميرات النائمات) وهو تناص مع رواية الياباني (كاوا باتا) في روايته القصيرة (الأميرات النائمات)، لكنه تناولها من وجهة نظره ككاتب عربي، حيث اختلف مضمون وهدف هذه القصة عن الرواية، وقد ركز الكاتب على نهاية الحدث لتبدو النهايات مختلفة جداً.
يمكن لنا ان نسحب موضوعة التناص نفسه مع قصة (صخرة عربيف) التي اختارها الكاتب لتكون عنوانا لهذه المجموعة، يبدو أن مضمون هذه القصة لايختلف عن مضمون (صخرة سيزيف)، الا أن الكاتب اختار لها نهاية مختلفة تماما بعد أن أبدل مسار بطل القصة بركونه الى النوم والحلم، وكأنه يخبرنا بشخصية هذا البطل السلبية وانهزامه أو فشله في دحرجة الصخرة الى الأعلى، والانزواء للأحلام، كبديل ناجع لمتعة الخيال والهروب من المسؤولية.
خبرة الكاتب حنون مجيد في هذا الفن القصصي، مكنته من التلاعب في مسار أحداث القصص، والتحكم بشخصياتها بوعي معرفي مدروس بعناية وبما يخدم فنية القصة، ساعده في ذلك خلفيته الثقافية الرصينة وتجربته العميقة في مجال السرد، واشتغاله لسنوات طوال في الصحف والمجلات الأدبية، القارئ يكتشف امكانياته ومعرفته العميقة باللغة العربية التي يكتب بها، لذلك تأتي قصص هذه المجموعة رغم قصرها (تكثيفها) متماسكة في المبنى والمعنى، وهو على رأي (بورخس)... لا يترك النهايات سائبة، بل أما بادهاشنا بحدث غير متوقع أو بنهاية ساخرة... كما في قصة (عزيزة وعزيز).
في موضوعة الحصار والحرب الذي مر على الشعب العراقي نرى الكاتب في قصة (الحرب) ص66 يستذكر ما أفرزته هذه الحرب من آثار نفسية مدمرة على حياة أبناء الشعب العراقي... في هذه القصة التي عبر عنها الكاتب من خلال عودة محارب الى أهله بعد انتهاء الحرب، وأمله بالعودة الى حياته المدنية، الى أهله ومجتمعه، بعد أن تلبسته الحياة العسكرية وانطبعت بشخصيته (قبل أن يفر فزعاً من امرأه، التفوا عليه، أوثقوه بحبل ووضعوا مرآة أمامه...)
المرآة هنا انعكاس تعبيري عن واقعية الأشياء فشخصيته المدنية التي تصور أنها تغيرت، بفعل الحرب، لكنه يعود اليها مجددا.
لا تخلو قصص حنون مجيد من الجانب النفسي والفلسفي، في قصة (هو وأنا) ص68، يشتغل الكاتب على اليومي المتداول مستعيناً باللغة الشعبية الدارجة، لتمرير مواقف وطروحات شخصيات القصص كما في قصة (مو زينة) ص150 وقصة (سفر) ص147، حيث استخدم اللهجة المحلية لسكان جنوب العراق في الحوار... (صدك..؟ جا.. شوكت ترجع.؟).
في الختام (صخرة عربيف) مجموعة قصصية ناضجة ننصح بقراءتها وتناولها من قبل الباحثين والدارسين لهذا الفن القصصي، وهي اضافة نوعية لتجربة الكاتب الكبير في مجال القصة القصيرة جدا.