عبدالزهرة محمد الهنداوي
غزا اليابانيون، العالم، وبسطوا نفوذهم في كل ارجاء المعمورة، ولم يعودوا بحاجة إلى الالتفات خلفهم، ليحددوا المسافة بينهم، وبين اقرب منافسيهم، الذي قد يكون كوريا او الصين، او ربما اميركا او احدى بلدان أوروبا!.
وقطعا، لم يرد في مخيلتهم، ان يكون احد ملاحقيهم، من بلداننا الشرق اوسطية، فالذي بيننا وبينهم من بعد المسافات يقاس بالسنين الضوئية!، طبعا، لم تثبت الدراسات وجود اي اختلاف بين اليابانيين وبين باقي الأجناس، بل لعلهم يشبهون غيرهم في الكثير من السلوكيات، إلا ان الذي ميزهم، هو تمتعهم بصفات ومقومات ادارية، انعكست على تطبيق النظم والسياسات، مع المحافظة الشديدة على القيم والثقافة اليابانية، ما جعلهم مختلفين عن سائر البلدان، إذ اهتم اليابانيون وركزوا كثيرا على القوى العاملة من خلال تطبيق، مبدأ «التوظيف مدى الحياة»، بطريقة مختلفة عن الأنظمة الادارية الأخرى، عادّين الانسان العامل، محور الادارة، ومرتكزها وعمادها، عبر أسلوب مميز يعتمد مبدأ التنقيب عن الموظفين الأكفاء، في حال وجود حاجة لدى اي شركة من الشركات، (طبعا اليابان تعمل باقتصاد السوق الحر، ولذلك فإن اغلب الشركات الكبرى تعود ملكيتها للقطاع الخاص، الذي يعمل، وفق رؤية تنموية حكومية شاملة)، وبهذا الاسلوب التنقيبي، تذهب الشركة التي لديها حاجة مستقبلية لعاملين جدد، إلى الجامعات والمدارس الثانوية الصغيرة، لمعرفة أسماء الخريجين، الذين لديهم رغبة في العمل، فيتم اختيارهم، بعد إخضاعهم لاختبارات مختلفة، ويُقبلون على أساس نتائج تلك الاختبارات، لتبدأ بعد ذلك مرحلة الإعداد والتدريب، ثم يجري توظيفهم، وفقا لمؤهلاتهم، توظيفا أبديا، وهذا النوع من التوظيف من شأنه ان يوفر أمانا واستقرارا وظيفيا للعاملين، ما يجعلهم يقدمون كل ما لديهم من عطاء، لانهم متيقنون بعدم الاستغناء عنهم، مهما كانت الظروف، التي تواجه الشركات، كما ان هذه الديمومة، تسهم في زيادة مدخولاتهم، إلى المستوى الذي يؤمن متطلبات حياتهم، برفاهية
معقولة. وأعتقد، أن أسلوب اليابان هذا هو الذي ميزهم عن سواهم، وأعطاهم قصب السبق في التطور بين شعوب العالم.
وكم نحن بحاجة إلى مثل هذا الأسلوب، لتحقيق الاطمئنان في نفوس العاملين في شركات القطاع الخاص، الذين يعيشون حالة قلق دائم، خشية الاستغناء عنهم في اي لحظة، ما يدفعهم إلى البحث عن وظيفة حكومية، بأي طريقة كانت، وبأي مرتب مهما كان متواضعا، وهذا الذي أدى إلى تضخم الجسد الحكومي بنحو غير مسبوق، رافقه، استشراء الرشوة من اجل الظفر بوظيفة
حكومية.