بعد رحيل جعفر حسن.. من سيغني للحالمين؟

الصفحة الاخيرة 2021/04/26
...

 بغداد: سامر المشعل 
ترك رحيل الفنان الكبير جعفر حسن غصة في نفوس الوسط الفني، اثر اصابته بفيروس كورونا، في احد مشافي اربيل، والراحل هو ابرز رموز الاغنية السياسية في العراق وارتبط صوته بنداء الحرية ومقارعة السلطة الدكتاتورية بفنه واغنياته وحنجرته، مطالبا بحقوق العمال والكادحين، وتحمل الراحل ضريبة كبيرة نتيجة موقفه الانساني والوطني، فقد جاب المنافي والقمع السياسي، لكن صوته لم يسكت أو يخفت من سعيه المحموم وراء حلمه بأن يكون العراق بلداً للشمس والتحرر والجمال والحضارة.
 
جعفر حسن من مواليد خانقين العام 1944، شق طريقه في مجال الفن منذ العام 1958 ليصبح أحد رواد الأغنية السياسيّة العراقيّة، وأصبح من مطربي الإذاعة والتلفزيون في منتصف الستينيات، وابرز اغانيه هي:(يابو علي، عمي يابو جاكوج، للمرأة غنوتنه، عمال نطلع الصبح، قبليني للمرة الأخيرة) وغيرها من الاغاني، وبعد سقوط النظام الدكتاتوري المباد، عاد جعفر حسن الى العراق وعمل مستشارا في وزارة ثقافة كردستان، ثم احيل على التقاعد، وظل مخلصا لفنه ورسالته الوطنية والانسانية حتى رحيله.
نبأ رحيل الفنان الملتزم جعفر حسن شغل مواقع التواصل الاجتماعي باستذكار مواقفه الوطنية وعطائه الابداعي على مدى نصف قرن، فالنائب رائد فهمي سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي كتب في صفحته الشخصية قائلا: “جعفر حسن فنان مبدع ومن اكثر رواد الاغنية السياسية شعبية، ردد اغانيه واناشيده الوطنية والسياسية جيلان او ثلاثة من العراقيين من مختلف الاعمار والهب حماسهم بصوته وادائه المتميز، وارتبط اسمه وصوته بالمطالبة بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ومقارعة الظلم والدكتاتورية والتضامن مع العمال ومنتجي الخيرات، لقد غادرنا جعفر حسن جسدا ولكن صوته واغانيه وذكراه تظل محفورة في اذهان وقلوب ملايين العراقيين”.
ووصف الفنان الكبير سامي كمال رحيل صديقه الفنان جعفر حسن بالخسارة الكبيرة للوطن والاغنية الصادقة وخاطب رفيق دربه قائلا :” كنت لي صديقا واخا في مشوار الفن من بغداد لعدن لبيروت لدمشق.. لروحه السلام الابدي، ذكراه ستبقى كالحلم الجميل”.
اما الموسيقي جمال عبد العزيز عضو شعبة الموسيقى في نقابة الفنانين فقال: “ذهل الوسط الموسيقي والثقافي في العراق برحيل الفنان جعفر حسن عن عمر 77 عاما”، واشار عبد العزيز الى أن  جعفر حسن فنان شامل ويعد افضل مدون للنوتة لجيله من المطربين والموسيقيين، اذ دون اغانيهم واعمالهم، وابتكر اسلوبا خاصا به ذا لون بغدادي اصيل، ومقدمات موسيقية لذلك الجيل، وعاش في المنافي خمسة وثلاثين عاما وظل  يقارع السلطة الفاشية وسلاحه الموسيقى والغناء، و يؤمن بأن الفن للناس، وهم يؤمنون بأن الفن للسلطة، و قاموا بمسح واتلاف كل اعماله الموسيقية والغنائية، وعزف الراحل ست آلات موسيقية وسجل اعماله في استوديو صغير في البيت، هكذا علمته المنافي واستخدم بناته في الكورس باكثر اعماله واصدر بحدود عشرة البومات جديدة، ولم يغن لاي سلطة او نظام، غنى فقط للعمال والفلاحين والطلبة، واخذه الموت سريعا، وكان يحلم أن يغني في حديقة الامة ولكنه شارك الشباب بالغناء في ساحة التحرير، قال لي ذات يوم لو اصبحت مسؤولا للموسيقى لغيرت كل القوانين، ليصبح الفنان الموسيقي افضل شخصية في المجتمع. 
اما الشاعر فالح حسون الدراجي فقال :”بفيروس كورونا وليس بغيره، سقط نجم الغناء السياسي، واللحن الوجداني، والكلمة الشجاعة، والموقف الجسور، وسقط مضرجاً بضوعه العطر، كما تقول السيدة فيروز، وهوى كما تهوي النجوم المرصعة بالزرقة والبهاء”.
واضاف الدراجي “غادرنا جعفر حسن، الفنان الأممي الذي أطلق أغنية (لا تسألني عن عنواني) في مهرجان الشبيبة العالمي في برلين العام 1973 والتي ترجمت الى عشرين لغة، وهو نفسه مغني العمال الذين (يطلعون الصبح ) نحو المعامل والمصانع والمساطر، وصاحب أغنية (عمي يا بو جاكوج)، الأغنية الشعبية الأشهر بين العمال، حتى باتت في سبعينيات القرن الماضي نشيداً وطنياً لأصحاب البدلات الزرق، والزنود السمر، وللحق، فقد كان جعفر حسن عملاقاً من عمالقة الفن الغنائي الملتزم الذي أرعب الدكتاتورية ونظام البعث، فشكل مع الفنان الكبير كوكب حمزة، وكمال السيد، وطالب غالي، و حميد البصري، والفنان الراحل طارق الشبلي، وفنان الشعب فؤاد سالم، والفنان الملتزم سامي كمال، والفنانة الرائعة شوقية، ظاهرة فنية تقدمية ملتزمة بقوة وثبات وعناد، ليس له مثيل في عموم العالم العربي، بل والمنطقة برمتها”.
ويواصل الدراجي سرد ذكرياته مع صديقه قائلا “كان جعفر حسن صديقي منذ أكثر من خمسة وأربعين عاماً، لكن السنوات العشرين الأخيرة كانت هي الفترة التي اقتربنا  فيها من بعضنا كثيراً، والمساحة الأكبر والأكثر وجدانية من حيث التقاء أفكارنا ومشاعرنا الأخوية، فزرته في بيته وصومعته في اربيل أكثر من مرة، وقد توجت علاقتنا هذه بأغنية كتبتها له قبل أكثر من عشر سنوات، وقد لحنها جعفر لحناً جميلاً، وسجلها بصوته الدافئ، بمساعدة العازف الجميل ستار الساعدي، وهذه الأغنية تحكي قصة عذابات الكرد الفيليين، وحجم الظلم الذي تعرضوا له على يد النظام السابق”. 
 وختم حديثه بالقول “لقد رحل مغني العمال، والجواكيج، وصاحب النشيد الأممي (لا تسألني عن عنواني.. في كل العالم عنواني) بلا وداع ولا كلمة كان يتمنى سماعها، وهنا لا نملك غير وردة حمراء نضعها على مدفنه، وكلمة بيضاء نقولها
 بحقه”.