تمثّلات الخضوعيَّة

ثقافة 2021/04/26
...

ابتهال بليبل
في حيز اللّغة الشاسع والمدهش والنادر من السهل جدا تصوّر أن كثيرا من الكلمات والتراكيب تبدو أليفة وسهلة ومتناغمة، بالنسبة لكلّ شاعرة حينما تقترب منها بعفوية وتنتظم في نتاجها القولي جملا وعبارات وخيالا، لكنّ في الوقت ذاته فإن هذه الشاعرة نفسها كثيرا ما تعاني من الشوفينيّة الذكوريّة... على الرغم من تعثرها من دون قصد حينما تقترب من مفردات وتراكيب أخرى شائكة، قلقة.
لذا فبمجرد استدعاء كلمات مثل (أجلدني، أصلبني، مزّق قلبي) وزجّها و(حشكها) في نصوص شعرية نسوية من المفترض أنها ذات لغة نقية محلقة، فإن الخطوة الرمزية الأولى التي تتشكّل لتوقظ كل شيء خامد ومهمل وله ارتباط رمزي بحياة الشاعرة إنها تأتي هنا بهذه الكلمات المحزّزة وكأنها تلمح من بعيد إلى المازوشية أو الخضوعية التي تعني الحصول على المتعة عند تلقي التعذيب الجسدي أو النفسي من قرين قامع.
وهذه ليست المرة الأولى التي أجدني فيها مضطرّة للحديث عن الكتابة النسائية، بوصفها عرضاً نفسيا أصيلاً في تصوير تجارب المرأة التي من الممكن أن تبدو أكثر وضوحاً عند تحليل لغتها للاقتراب من عالمها الخفي. 
ففي التمثلات الغامضة للمرأة التي تتكاثر وتزدحم في نصوصها الشعرية الخضوعية وهي تتأرجح ما بين الثنائيات الضدية: الفاعل والسلبي، الجلاد والعاشق. تلفت الانتباه-أقصد هذه التمثّلات- إلى حقيقة أن العلاقة بين المرأة الخاضعة والرجل العدواني القامع أو العكس هي ليست علاقة بسيطة بين امرأة ورجل، بل نظرة متناقضة للحياة وصراعها الأزلي الذي يظهر في خفايا اللغة. 
إنّ تأمل مثل هذه الكلمات ومن دون المبالغة في تأوليها يأخذنا إلى نوع من رمزية القسوة أو شكل غير تقليدي من التلميح إلى الاثارة الجنسية في نصوص قد تعدها الشاعرة ثورة ضمنية ضد القواعد والأعراف الاجتماعية، ممّا يتسبب في الوقت نفسه بمتعة مازوشية.فهذه الكلمات -إن كانت بقصد أو لا- تميل إلى اعادة صياغة العذابات الجنسية والحسيّة بقدر من التشويق والغموض، ممّا يعني ضمناً "تولد" الإشارات التحليلية النفسية التي تهيمن على رغبة كلّ من الذكر والأنثى.
تصرح المؤرخة الفنية والمنظّرة النقدية كاجا سيلفرمان:(أن أي قيمة للمازوشية قد تثير القلق، لأنها تنطوي على مسألة الهوية. فهي دوماً ما تدل على التبعية الأنثوية). 
شخصياً، أنا أفهم أن يكون غرض المازوشية أو الخضوعية سواء في الكتابة الأدبية أو غيرها هو تدمير الهوية الذكورية من منطلق تبعية الرجل للأنثى (الإقناع والتراضي)، لكني أزعم أن هذا الأمر يدفعنا للانتباه الى التقارب الوثيق بين المازوشية والأدب المنحل الذي من الممكن إرجاعه على وفق المصادر إلى تخيلات الكاتب وهوس الأنا والانغماس في أحلام مليئة بالمرأة الهستيرية الخاضعة. 
ترى ماذا سيكون موقف المرأة الكاتبة عندما تستعين برموز تقليدية للعنف (سياط، قيود، أصفاد)، تستعمل في نصّ شعري يحاكي علاقتها بالقوة، كوجود وهيمنة حقيقية واستغلال؟، ألّا تعلم أن الخيال المازوشي يشير إلى "التناقضات في اللغة والمعنى" ولا يسمح لها بانتقاد المعايير الأبوية من موقف الشخص الخارجي، بل يوضح أيضا الطرق التي يتم بها إبقاء المرأة ساذجة عمداً، أو "منفصلة" عن الحقائق المتعلقة بها وبمحيطها.