تضمينات بلاغيَّة!

الصفحة الاخيرة 2021/04/26
...

حسن العاني 
تنفرد البلاغة بميزات كثيرة (ربما) تجعلها في صدارة المشهد اللغوي، لكونها ذات علاقة وطيدة بالفنون الأخرى، كالقصة والمقالة والخطبة، ولكونها كذلك تمثل عالماً واسعاً يصعب حصره من الدلالات، سواء الجمالية منها، ام العقلية والذهنية، كبناء الصورة والرمز والكناية والتشبيه والاستعارة و..  وغيرها، وطالما استوقفتني موضوعة الكناية البلاغية على وجه الخصوص، فحين نسمع عبارة مما يستشهد بها البلاغيون على غرار "بعيدة مهوى القرط"، ندرك أن صاحب القول قد استغنى عن الكلام المباشر، ووصف حبيبته، بأنها ذات جيد طويل، اذ تروي لنا كتب التراث ان احد الخلفاء سأل اعرابية عن احوالها "المعيشية"، فلم تبك بين يديه او تشكو حاجة او فقراً او تتضرع الى الله أن يدوم حكمه وحكم ذريته من بعده الى يوم الدين، بل اجابته بالإشارة البلاغية الرائعة "بيتي لا تدخله الجرذان"، وأدرك الخليفة المغزى، فامر لها بالسمن والدقيق لأن البيت الذي لا يوجد فيه طعام لا تدخله 
الجرذان!.
ومع انني درست البلاغة في الجامعة على يد استاذي الكبير الراحل الدكتور جلال الخياط قبل 50 سنة، الا انها ما زالت موضع اهتمامي وعنايتي، اذ لا تكاد مناسبة تجمعني ببعض زملاء الدراسة او من يعنيهم امر اللغة العربية على قلتهم الا وقدتهم لا ارادياً الى الحديث عن فن من فنون البلاغة، يحضرني الآن حوار ممتع جرى قبل شهرين تقريباً في جلسة مثقفين، وتم التطرق الى موضوع "التضمين" ومع ان هذا الموضوع يعد من الأساليب البلاغية الشائعة التي لا تحتمل المزيد من المعرفة، ولكن احد الحضور وهو شاب دون الأربعين، ويحمل شهادة الماجستير في الادب الحديث، غير انه شديد المتابعة والاهتمام بالبلاغة افادنا بمعلومات جديدة عن التضمين وبالغة الأهمية، فقد أشار الى ان هناك نوعين، الأول هو التضمين الكلي ويراد به تضمين كلام من الشعر او الامثال او آية قرآنية كريمة من دون تصرف أو تغيير، أي بالنص الكامل، كأن يكتب احدهم الصيغة الآتية "ما عساي اعاتب نفسي ان لم انهرها يوم لا ينفع مال ولا بنون"، فهذا تضمين كلي للآية الكريمة "يوم لا ينفع مال ولا بنون"، وهناك تضمين جزئي يشمل المعنى العام او التصرف في بعض المفردات مثال ذلك "يوم نقول لجيوب المسؤولين هل امتلأت فتقول هل من مزيد"، وقد اذهلنا الرجل بمعلوماته حقاً!.