قبل الانتخابات إحذَروا «الخِطاب الشعبوي»

آراء 2021/04/26
...

 قحطان الزيادي 
 
 للوهْلة الاولى يظّن القارئ ان الشعبوية هي خدمة الشعب او شيء يصب بمصلحته ولكن الحقيقة على العكس تماماً، انما هي اداة يستخدمها الزعماء من اجل كسب العواطف والتأييد الشعبي لتحقيق مكاسب خاصة لا عامة، ويمكن تعريف الشعبوية كايديولوجية، أو فلسفة سياسية، أو نوع من الخطاب السياسي الذي يستخدم «الديماغوجية» ودغدغة عواطف الجماهير بالحجاج الجماهيري لتحييد القوى المعاكسة، حيث يعتمد بعض السياسيين على الشعبوية لكسب تأييد الجماهير لما ينفذونه أو يعلنونه من السياسات، وللحفاظ على نسبة جماهيرية معينة تعطيهم مصداقية وشرعية. ومن أكبر النتائج الكارثية للشعبوية هو قدرتها على اقناع عدد كبير من الشعب وغالبا ما يشكلون الأكثرية للقبول بالسلطة المطلقة للشخص. وتتصاعد قوة ونفوذ الحركات الشعبوية عادة خلال الأزمات السياسية أو المالية و الاقتصادية وفي الانتخابات تكون ذروة الخطاب الشعبوي، حتى يصل اصحاب هذا الخطاب لمرحلة عالية من النعومة في
 الكلام . 
ومعاني الشعبوية متضاربةٌ، تتراوح بين الرومانسية الثورية والدُّونِيّة السياسية، لكن ما يجمع معظم دُعاة الشعبوية مقاربتهم التبسيطية في استخدامهم لمفردة «الشعب»، وادعاؤهم أنهم صوت وصدى وضمير هذا «الشعب»، فضلاً عن احتكارهم لتمثيله وخدمته، وتركيزهم على خطابٍ عاطفيٍّ يفتقر للرؤى الواضحة وفي العادة يكون الخطابٌ مُبْهَما وعاطفيا، لا يعتمد الأفكار والرؤى، بل يميل إلى إثارة الحماس وإلهاب المشاعر، ليتماشى تماماً أو يتطابق مع المزاج السائد . 
ويُكْثِرُ الخطاب الشعبوي من التركيز على وردية الحلم وتبسيط الأمور في شكلٍ واضح وقريب، مع الإحالة إلى التاريخ الذي يتم استحضاره واستخدامه كوسيلةٍ ايديولوجيةٍ ذات عمق انفعالي ومن الحيل السياسية الجديدة، التي يستخدمها الزعماء السياسيون لأجل كسب الجمهور وفي فترة الانتخابات بشكل خاص فيقومون بسرد الكلام المعسول و التقرب منه واقناع الشعب بأنهم الوحيدون القادرون على تمثيلهم في الحكم ومن خلال الشعارات، التي يطلقونها على حملاتهم الانتخابية، كلها ذات خطاب شعبوي وتذكروها في الدورات السابقة وتعرفون ذلك ويمكننا مقارنتها واختبار صدقها بعد فوزهم وتسلمهم زمام الحكم، سنلاحظ الفرق الشاسع في صدق الشعارات او كذبها. والناس البسطاء الذين لا يملكون معرفة بالانظمة السياسية قد يصدقون الخطاب ويبنون عليه امالهم الكبيرة وفي الاخير سيصدمون بالشعارات الرنانة، ويتركز الخطاب الشعبوي في اماكن عدة، وفق متطلبات الحصول على الدعم والكسب
 الجماهيري.
 ويرى الباحث الفرنسي «بيير أندريه تاغييف» أن معظم جمهور الخطاب الشعبوي من الأميين والفقراء، خصوصا في المناطق الحضرية، وهي الشريحة التي وصفها كارل ماركس بنبرته النخبوية المترفعة بـالبروليتاريا الرثة أو بقاع المجتمع. تعود بداية نشأة الخطاب الشعبوي الى الفترة الواقعة بين ثلاثينات وسبعينيات القرن التاسع عشر، حيث بدأت بوادرها في روسيا وأميركا وكانت في الاصل تطلق على حركة زراعية ذات ميول اشتراكية تسعى لتحرير الفلاحين، وتزامنت مع ثورة الريف الاميركي ضد المصارف وشركات سكك الحديد، منذ تلك الفترة واستغل الزعماء الفرص لعرض انفسهم، مطالبين بحقوق المعدومين والفقراء والتصدي لحل مشكلاتهم. 
و قد مر ت التجربة العراقية بمراحل عدة ومخاضات عسيرة انتجت حالة من اليأس لدى الشعب، بسبب عدم صدق وجدية الخطاب السياسي لدى الطبقة الحاكمة مما ولد فجوة كبيرة بين الشعب والسلطة جعلهم لا يصدقون الخطابات الرنانة والبيانات الصارخة، و جل ما يريدونه هو واقع بسيط من خدمات وأمن وغذاء لا أكثر، بعيداً عن الخطاب الجميل الرنان الذي تعج به المحطات الفضائية وقاعات
 المؤتمرات.