انتخابات تشرين.. تنافس تقليدي ومتغيرات جديدة

آراء 2021/04/28
...

  د. عبد الخالق حسن
قبل الوصول إلى موعد الاستحقاق الانتخابي في العاشر من تشرين الأول من هذا العام، يكون العراق قد أنجز خمس عمليات انتخابية منذ انتخابات الجمعية الوطنية في 2005 ، وهي بلا شك تمثل رصيداً وخبرةً متراكمةً لدى العاملين في مفوضية الانتخابات، وحتى لدى الكيانات السياسية التي تزداد أعدادها في كل موسم انتخابي، لكن لا يصمد منها سوى الكتل الكبرى التي تدير العملية السياسية موزعةً بين الأحزاب التقليدية المعروفة.
 
كل انتخابات جرت سابقاً كانت تشهد تصعيداً وتنافساً كبيراً بين الكتل السياسية، وهو  مباح ما دام الأمر لا يتجاوز مداه السياسي والاعلامي، وكذلك نشهد لاحقاً بعد ظهور النتائج تشكيكاً وطعناً واتهامات بعمليات تزوير، لتحسم المفوضية لاحقاً الأمر، وتكشف عن صحة ادعاءات المشككين من 
عدمها. 
 يجري هذا تحت متابعة ودعم الأمم المتحدة، التي توزع الكثير من المراقبين وتجري الدورات التثقيفية قبل وبعد الانتخابات من أجل الارتقاء بعمل المفوضية وموظفيها.
الانتخابات المنتظرة في تشرين الأول دخل فيها متغير مهم ومؤثر في الشارع السياسي والانتخابي، وكان سبباً مهماً في تقديم موعد الانتخابات، ونعني به متغير (احتجاجات تشرين) وما أفرزته من تيارات وأحزاب سجلت نفسها لدى دائرة الأحزاب والكيانات وستكون منافساً جديداً في العملية 
الانتخابية.
أحزاب تشرين تحمل في داخلها هواجس ومخاوف من عدم وجود بيئة آمنة للانتخابات تكون سبباً في عدم إجراء الانتخابات بنزاهة، وطبعا هذه المخاوف  حق مشروع لها ولغيرها من الأحزاب التي كانت حتى الكبرى منها تشكو من عدم وجود أمن انتخابي، لكن أيضاً تعود المفوضية وبدعم أممي لتعطي الشرعية للانتخابات ونتائجها بعد التصديق عليها في المفوضية.
الانقسام اليوم يحصل بين تيارات جديدة وأخرى قديمة على الصيغة، التي يجب أن تكون الأمم المتحدة حاضرةً فيها داخل الانتخابات، فأحزاب تشرين ترى أن الانتخابات لا يمكن أن تكون مضمونة من دون إشراف أممي، ولا نعلم هل إن هذه الأحزاب تراعي الجانب القانوني للمصطلح وتضبطه أم أنها ما زالت تعيش لحظة الاحتجاج العاطفية؟.
 فالإشراف يعني التدخل المباشر في إدارة الانتخابات، وهذا الأمر لا يصب في صالح هذه الأحزاب، نقصد التشرينية، التي طالما اشتكت من التدخلات الخارجية، والتي تراها سبباً أساسيا في تدهور الأوضاع في العراق، بمعنى أنها تمارس فعلاً تستنكره على غيرها، ربما نجد لهم العذر في أنهم ما زالوا في طور الاعداد الأولي وتنقصهم الخبرة والتجربة، لكن يهمنا جداً نجاحهم ليدخلوا كمنافسين مساهمين في بناء العراق، بعيداً عن أي تدخل خارجي، كذلك يهمنا أن ينجح أي كيان انتخابي يجعل هدفه الأهم استمرار التحول الديمقراطي والاعتراف بقيمته بعيداً أيضاً عن أي تدخل مهما كان لونه أو مذاقه.
كذلك فإن بعض الأحزاب ترى أن الإشراف كما قلنا هو تدخل يجرح سيادة البلد، لهذا ترى أن الدور الأممي يجب ألا يتجاوز المراقبة كما كان يحصل سابقاً، ونحن طبعاً نرى أن هذا هو الأمر الأفضل والواقعي، لأنه لم يحدث سابقاً أن تطلب دولة مستقلة مكتملة السيادة من المنظمة الأممية أن تدير انتخاباتها وتكون هي المتحكمة بمخرجاتها، وهو كذلك أمر غير منطقي بعد كل هذه التجارب الانتخابية التي حصلت في ظروف أصعب مما نمر فيه اليوم.
إن التحولات الديمقراطية التي يشهدها العراق منذ إسقاط الدكتاتور هي قيمة عليا للبلد يجب عدم التفريط فيها، لأنها حصلت بفعل تضحيات كبيرة قدمها العراقيون بكل بسالة، فضلا عن أنها ترسم مستقبل العراق، ما يعني أنها ليست ملكنا فقط، بل هي ملك للأجيال القادمة، ولا شيء يحفظ هذه التحولات سوى الاستمرار في النهج الديمقراطي بغض النظر عن الاخفاقات هنا أو هناك، لأن الذي لا يخطئ 
لا يتعلم.