الكاظمي و تشبيه الطائفية بالصهيونية

آراء 2021/04/28
...

  عبد الحليم الرهيمي
«ان الطائفية شبيهة بالصهيونية وليس هناك من فرق بينهما، فكلتاهما تبني قيمها على الطائفية..»، هذا ما تحدث به بشكل قاطع رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي خلال مائدة افطار رمضانية حضرها ممثلون لطوائف دينية متعددة، فلماذا اطلق الكاظمي هذا التصريح الكبيرالأهمية والذي وصفه بعض المراقبين بـ (الموقف الجريء)، وماهي الدوافع والأسباب التي دعته لاطلاق هذا التصريح؟، وما هو مفهوم الصهيونية و مخاطرها التي حرص على تشبيه الطائفية بها؟، ثم ماهي التداعيات العملية و السياسية والاجتماعية التي ستترتب على ذلك؟. 
 
منذ العام 2003 انتعش مصطلح الطائفية الذي قامت واستندت اليه الحياة السياسية العراقية و اعادت انتاجه باستمرار، لكن بالوقت نفسه كان يواجه هذا المصطلح و آثاره كلامياً، بالرفض و الادانة و بأسوأ تعبيرات التوصيف، سواء من الاعلام او من السياسيين والكتاب، لكن دون تعرية جادة لحقيقتها وبما يساعد على مواجهتها و القضاء عليها، ولذا يأتي توصيف الطائفية بأشد التوصيفات رفضاً وادانة لها ليس من سياسي او صحافي لا اثر كبير لأقواله، انما بلسان رئيس اعلى سلطة تنفيذية وهو رئيس مجلس الوزراء، وهذا يمثل تطوراً نوعياً سياسياً و اجتماعياً كبير الأهمية في الواقع السياسي العراقي السائد.
ان اختيار الكاظمي لتشبيه الطائفية بالصهيونية وبما تعنيه من عنصرية وعدوانية مقيتتين، انما يمثل ضمناً او مباشرةً ادانة قوية لكل العاملين بالطائفية والمروجين لها، وذلك لان الصهيونية قد ادينت عالمياً باصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 اكتوبر- تشرين الأول عام 1979 القرار رقم 3379 الذي يحدد ويصف الصهيونية بأنها(شكل من اشكال العنصرية والتمييز العنصري)، وطالبت المنظمة الأممية بقرارها هذا جميع دول العالم بمقاومة الايديولوجية الصهيونية التي هي حسب القرار(تشكل خطراً على الامن و السلم العالميين).
ينطوي تشبيه الطائفية السائدة في العراق بالصهيونية، بما حملته من تعريف واوصاف و مخاطر وادانة اممية مبكرة، التعبير عن النية بالتوجه العملي والجاد للحد منها وصولاً الى القضاء عليها وهو ما اكد عليه الكاظمي بوضوح في حديثه لممثلي الطوائف على مائدة الافطار بقوله (ان عصر المحاصصة الطائفية قد انتهى).
هذا القول الذي يشخص بدقة حقيقة و مخاطر الطائفية و تشبيهها بالصهيونية يطرح تساؤلاً عن الدوافع والأسباب الرئيسة التي دعت رئيس مجلس الوزراء لاختيار هذا التشبيه والتعبير، ربما لنيته الذهاب الى مدى ابعد في السعي لمواجهة الطائفية والقضاء عليها وانهاء الاستناد المدمر اليها للحياة السياسية العراقية.
لا شك ان اختيار الكاظمي لتشبيه الطائفية بالصهيونية واعتبار عصر المحاصصة الطائفية قد انتهى، قد يواجه بارتياح وتقدير غالبية شرائح المجتمع التي تتطلع الى اصلاح حقيقي لأوضاع العراق والتي تعتبر ان المحاصصة الطائفية والعرقية قد شكلت الأساس لخراب الحياة السياسية منذ 2003 ورسخت الفساد الاداري والمالي وكل التداعيات السلبية للحياة السياسية والاجتماعية منذ ذلك التاريخ، لذلك ينعقد رهان الكثير من العراقيين على حصول تداعيات ايجابية مهمة للمساعي العملية والأكثر جدية للقضاء على الطائفية والعرقية والمحاصصة، انطلاقاً من تقصد رئيس مجلس الوزراء اختيار تشبيه الطائفية بالصهيونية، وبما يمهد لاتخاذ الاجراءات و القرارات الحازمة على هذا الصعيد، ذلك لان هذه الطائفية التي تشبه الصهيونية تحمل مفهومها وصفاتها ومخاطرها التي هي، فضلاً عن عنصريتها وعدوانيتها (ثقافية وعملية وسياسية وعمالية، وهو ما حدده المؤتمر الصهيوني الذي عقد بمدينة بازل النمساوية و ترأسه تيودور هيرتزل)، وهو ما يستوجب محاربة الطائفية و القضاء عليها بكل جرأة و تصميم وارادة حازمة.