الإيمان بالكتابة

ثقافة 2021/04/28
...

لؤي حمزة عباس
شكل إسماعيل فهد إسماعيل منذ صدور مجموعته القصصية الأولى (البقعة الداكنة) قبل أكثر من نصف قرن، حضوراً سردياً لافتاً شغل مساحة إبداعية امتدت على ما يتجاوز الأربعين مؤلفاً في القصة القصيرة، والرواية، والمسرحية، والدراسة النقديّة، عالجت في مجملها مختلف الهموم الإنسانية على مساحة جغرافية مركزها مدينة البصرة، وقضاء أبي الخصيب منها على نحو خاص، حيث قرية (السبيليات) مسقط رأسه في العام 1940، مثلما انفتحت آفاق كتابته القصصية منها والروائية على مدن عربية عدة من الكويت إلى بيروت فالقاهرة، كما ذهبت بعيداً في الزمان العربي، حاضره وماضيه، 
في سعيها عبر حقول الخيال والتخييل لمعالجة بعض قضايا الحياة العربية منذ العصر العباسي المليء بالمتناقضات كما تجسد في روايته (الكائن الظل) الصادرة في العام 2000.
وقف إسماعيل فهد إسماعيل وقفةَ مراجعةٍ متأنيةٍ أمام واحدٍ من الأحداث المفصلية التي شهدها عالمنا العربي بداية العقد التاسع من القرن العشرين وهو الغزو الصدامي الجائر للكويت، بعد أن عاش تجربة الغزو فعلاً ولم يكتفِ بما تناقلته وسائل الإعلام المحلية والعالمية، وقد أنجز سباعيته (إحداثيات زمن العزلة) التي شكّلت حلقة مهمة في سلسلة أعماله الروائية، كما أنتجت أنموذجاً من نماذج التسجيل في الرواية العربية، مؤكدةً رؤيته عن (الفعل الكتابي) بوصفه (وظيفة إنسانية بالأساس)، الجملة التي خطت بحروف كوفية أنيقة ووضعت في إطار مزخرف لتشغل موقعاً في مكتبه، مؤكدة مبدأً من مبادئ الكتابة لديه، ومعبّرةً عن أقصى أهداف الكتابة وأبعد مراميها، وقد حافظت على حضورها رديفاً لإنسانية الإنسان وفعلا رفيعاً من أفعال الدفاع النبيل 
لم خاص في حاضر الكتابة العربية له من السمات الموضوعية وآليات الصياغة السرديّة ما يجعل عالمه الروائي أكثر العوالم الكتابية حيويةً وتميّزاً في الكويت والخليج العربي، وقد استحق لقب (مؤسس الرواية) في هذه المنطقة المؤثرة من العالم.
منذ روايته الأولى (كانت السماء زرقاء) الصادرة في العام 1970 وإسماعيل فهد إسماعيل يواصل رحلته نحو الجوهر البعيد للتجربة الإنسانية منصتاً لما يصدر عنه من أصوات تشبه بوحاً يتجدد في الأعماق البعيدة التي تصعب رؤيتها ويعز الوصول إليها..
كل عمل من أعمال إسماعيل فهد إسماعيل خطوةٌ في رحلة لم تكن يسيرة يوماً، من أجل الكشف عن وجوه الإنسان في سموّه واندحاره، في رفعته وانحطاطه وهو يخوض صراعه في إطار المتغيرات التاريخية وأثرها في الحياة الاجتماعية لما يتجاوز نصف القرن من التفكير والكتابة، من الرصد والتأمل والملاحظة وصولا للحظة الإبداع الروائي الذي اتخذ من التداعي تقنيةً لإضاءة الدواخل القصية للإنسان، وهو ما استدعى انشغالا تاماً بالكتابة وهمومها، واحترافاً موصولا يتغذى بالوعي ليؤسس رؤيته برويّة وتمهّل كتاباً بعد آخر وروايةً بعد روايةٍ وذلك ما يسميه (احتراف الكتابة) الذي تحدث عنه في كتابه (مبدعون مغايرون، كتابات مغامرة) الصادر في العام 2004 قائلاً في مدخله إن (احتراف الكتابة يستلزم احترافاً مماثلاً ـ إن لم يكن مزيداً ـ للقراءة)، فالعمل الكتابي لديه لا يتأسس ولا تستقيم ركائزه بغير قراءة موصولة لاستكشاف 
مستمر.