زهايمر السارد عن تهاوي المسرود في مبنى الرواية

ثقافة 2021/04/28
...

 بشير حاجم
لأنها شكل الرواية، أي مبناها، فإن في البنية إنعاشاً بالنص للقارئ. لذلك، وفق إنعاش كهذا، هي تجاوز، لا بد منه، للجزئيات بالعلائقيات: للمضمون بالشكل. ما يلزِم المتنَ الحكائي، لكل نص روائي، بأن تتجاوز بنيته على ثيميّته عبر تقنيته نحو جماليته. إن حدث إخلال بهذا الإلزام، هنا، سينهار المبنى القصصي، للنص الروائي، فلا تظل له بنية ولا أية قائمة عليها: تقنية ـ جمالية ـ ثيمية. من أخطر آثار هذا الانهيار، بل أخطرها ربما، ما أصفه بـزهايمر السارد، منذ الآن، خصوصا ذلك المتعلق – منه - بأسماء شخصياته. هو ذا الزهايمر، للاستدلال عليه، في:
* مثلث الموت، علي لفتة سعيد، دار سطور ـ بغداد، 2016، أوّلا، بحسب التنصيصات الآتية: لم يتماهل السائق فكفر بصوت عال"..."فحاول أحمد تهدئته فقال السائق – الطائفية.."..."لم يزد أحمد بالقول.. وتركه ينفس عن روحه وغضبه.. "..." أشعل سلام سيكارة أخرى وناولها الى السائق ص62 (المقصود: "أحمد" لا "سلام")، تغير مجرى الدم وظلا يبحلقان في الطريق.. خضير وهو يرى كل الأشياء التي أمامه وأحمد وهو يتابع حركة جادة الطريق الترابية.. كانا كأنهما يبحثان عن أي منهما يجد العذر للحظة مغادرة المكان الذي خلفا فيه سلاماً، "..." قال سلام: - إذا وصلنا أذهب للمحافظ.. أطلب منه الاتصال بالجهات الأمنية لمعرفة مصيره. ص231 (المقصود: "خضير" لا "سلام")، مسلح يبدو أنه كبيرهم، "..." – ما أسمك؟. وأشار لخضير ثم سأل السؤال ذاته الى أحمد "..." عاد موجها السؤال الى خضير. – أعرف.. هل تراني غبياً.. هذه الهويات.. ولكن ماذا تعمل؟ "..." وكان سلام يحاول ألا يثير أعصاب أي واحد منهم ص286 (المقصود: "أحمد" لا "سلام").
لقد سها (السارد) بفعل (زهايمر) عن "أحمد ـ خضير"، وهما صديقان، فحل "سلام"، صديقهما أيضا، بدلا عنهما! لماذا تحدد سهوه هذا، هنا، بـ"سلام" (أشعل، قال، كان) فقط؟ لأنه آثر الانشغال به، مضحِّيا بجمعية البطل، إذ خصص له قرابة نصف المقاطع: 18 من 44! حتى أن المقطع ـ19ـ، أحدها، بدا مقحماً على "سلام": يلتقي المحافظَ في مدينته "كربلاء" لإجراء حوار صحفي معه، ص: 137 ـ 143، مع أنه، أي "سلام"، كان منذ نهاية المقطع ـ14ـ، ص106، قد افترق عن صديقيه "أحمد ـ خضير" في منطقة "اللطيفية"!
هكذا انهار المبنى القصصي لهذه الرواية، بنيتها/ تقنيتها/ جماليتها/ ثيميتها، نتيجةً لإخلالها في إلزام المتن الحكائي بالتجاوز البنيوي، إذ تهاوى مسرودها: حدثه/ شخصيته/ زمنه/ مكانه، تماما، ما أودى بها، ممّا يعنيه هذا التهاوي، لأنْ تنكص من الناحية الفنية عن الروايتين السابقتين لها: اليوم الأخير لكتابة الفردوس 2002 ـ مواسم الاسطرلاب 2004 (دون الرواية السابقة لهما: وشم ناصع البياض 2000).
* متاهة أخيرهم، محمد الأحمد، دار الورشة الثقافيةـ بغداد، 2019، ثانياً، بحسب التنصيصات الآتية: فالبيت الذي بناه "يعقوب" وأبناؤه الثلاثة، "..." ملحق بحديقة كبيرة. "..." فالأرض التي بني عليها البيت، كانت جزءا من بستان كبير يملكه والده "بشير" جدّ "يهوده"، ص30 (المفهوم: والد "يهوده" اسمه "يعقوب بشير")، تروي ايضا: - (أن جدَّك المرحوم كان صديقاً حميماً للمرحوم "ناجي" والد "يهوده". ص63 (المفهوم: والد "يهوده" اسمه "ناجي")، في يوم وفاة أبيهم "ناجي يعقوب"، "..." فخرج "حسقيال" ظهراً وأعدّ قبر ابيه في مقبرة آبائهم، "..." اضطررت لمصاحبتهم، متظاهراً بالمساعدة في البيت مع "يهوده"، وشقيقتهما "سناء"، ص204 (المفهوم: والد "يهوده" اسمه "ناجي يعقوب")، (تزوج "يعقوب" من "حسيبة" فأنجبت له أربعة الأول اسمه "عزرا" "..."، وبعده "يهوده" "..."، و"حسقيال" "..."، و"سناء ص246 (المفهوم: والد "يهوده" اسمه "يعقوب")، الوالد "يعقوب الناجي" قد اوصى بنسبة كبيرة من الثروة الى اولاده بعد ان يتزوجوا، وكان يرغب لو احدهم تواصل في الدين وصار حاخاماً "..." سعى "حسقيال" كثيرا لتحقيق رغبة المرحوم والده، ص262 (المفهوم: والد "يهوده" اسمه "يعقوب الناجي").
لقد سها (السارد) بفعل (زهايمر) عن الاسم الدقيق لوالد "يهوده"، بطله، فإذا هو بمد وجزر بين خمسة أسماء: يعقوب بشير، ناجي، ناجي يعقوب، يعقوب، يعقوب الناجي. هذه الأسماء الخمسة، لشخصية واحدة، بآحادها ومتواترها، على السواء، أحدثت قبالة التلقّي بلبلة، مشوِّشة كارتباك واضطراب، خلطت عليه الأمر بخصوص والد البطل. ما زاد هذا الخلط خلطاً، سيّئاً أو خطِراً، أنّ لهذا الوالد اسماً مواطئاً لاسم والده: (تزوج حاخام "يعقوب" من "عطاء بنت حسقيال" "..."، فرزق منها ثلاثة أبناء هم: "شام"، "يعقوب" وابنتان هما "توبة"، و"راشيل").. (تزوج "يعقوب" من "حسيبة" فأنجبت له "..." "عزرا" "..."، وبعده "يهوده" "..."، و"حسقيال" "..."، و"سناء ص246. بذلك أُضيفَ للأسماء السابقة اسمٌ سادسٌ، هو "يعقوب يعقوب"، وفقاً لتنصيص ذي سهو جلي: ((فرزق منها ثلاثة أبناء هم: "شام"، "يعقوب"))، إذ ليس ثمة ابنٌ ثالثٌ معهما، يؤشّر عجالة في السرد، إجمالاً، تُعزى إلى تركيزه على ثيمية دعائية، تخصّ اليهود العراقيين، بلا أية مراعاة لبنية متينة وتقنية مناسِبة وجمالية مطلوبة.
هكذا انهار المبنى القصصي لهذه الرواية، بنيتها/ تقنيتها/ جماليتها/ ثيميتها، نتيجةً لإخلالها في إلزام المتن الحكائي بالتجاوز البنيوي، إذ تهاوى مسرودها: حدثه/ شخصيته/ زمنه/ مكانه، تماما، ما أودى بها، ممّا يعنيه هذا التهاوي، لأنْ تتقيّد بالثيمية كالروايتين السابقتين لها: حركة الحيطان المتراصة 1998 ـ ورد الحب.. وداعاً 1999.
* خان الشابندر، محمد حياوي، دار الآداب ـ بيروت، 2015، ثالثاً، بحسب التنصيصات الآتية: اقترب منِّي ببطء: "..." - ويلك.. صديقي الحبيب ألم تعرفني؟ أنا صديقك سالم. – سالم؟ مَنْ سالم؟ أعذرني، فذاكرتي متعبة في الواقع. - ويلك.. أنا سالم.. سالم محمد حسين.. ماذا دهاك؟ نعم.. تذكّرت.. كان لي صديق حميم اسمه سالم محمد حسين، ص: 43 ـ 44 (المشخّص: سالم = سالم محمد حسين)، عانقته بحرارة وقبَّلته، وكان يضحك من رَدّة فعلي. – سالم.. يا صديقي الحبيب.. "..." - إسمع.. الوضع خطير جدًّا، ويجب أن تبيت هنا الليلة. - أين أبيت؟ - في غرفتي فوق السطح.. "..." في الطابق الأول، صادفنا رجل يحمل إبريقًا.. تطلَّع إليَّ باستغراب. ألقيت عليه التحيّة، لكنَّه لَم يَردّ وظَلَّ متطلِّعًا باندهاش.. بدا كما لو أنَّه لَم يَلمَح صديقي حاكم الذي تجاهله هو الآخر، ص: 44 , 45 (المشخّص: سالم = حاكم)، ولم يبال سالم، وواصل طريقه نحو الغرفة بهدوء. "..." جلست على طرف السرير، بينما اتجه سالم نحو رفوف الكتب القديمة واستَلّ واحدًا. "..." - هل تذكر قِصَّة هذا الكتاب؟ - نعم.. أذكر ذلك. 
أليست هذه هَديّة حبيبتك غَدير؟ تطلع إليَّ حاكم بحزن هذه المرَّة، قبل أن يسألني بصوت خفيض: - أين غَدير الآن؟ ص46 (المشخص: سالم = حاكم).
لقد سها (السارد) بفعل (زهايمر) عن الاسم الثلاثي "سالم محمد حسين" بنظيره الأحادي "حاكم" مرتين اثنتين، ضمن صفحتين متتاليتين: 45 ـ 46، لأنه ارتأى، كما يُظَنُّ هنا!، أن يكون هذا الصديق الحميم له، بعدما تذكر: (كان لي صديق حميم اسمه سالم محمد حسين،)، مجرّد شخص عابر. 
إذ إنه، بصفته البطل: "علي موحان"، لم يُخبر أحداً عن التقائه بهذا الشخص العابر، وهو شبح لمن (تمرّد على الخدمة العسكريّة وظَلَّ هاربًا ومتخفيًا سنوات طويلة، حتى ألقي القبض عليه ذات ليلة، وسيق إلى سجن أبي غريب.. وهناك أعدموه رميًا بالرصاص..) ص44، سوى زميلته الصحفية "نيفين": – هل تعرفين صديقنا سالم محمد حسين؟ - سمعت بهذا الاسم.. نعم نعم.. تذكّرت.. سالم محمد حسين.. ما الذي ذكرك به الآن؟ - التقيته قبل أيّام. "..." - التقيت بسالم محمد حسين؟ - نعم!! ص54. ثم، لاحقاً، لم يذكره بتاتاً إلا ضمن ص87، حيث الصفحة الأخيرة هي ص172، وقد نسي حدث إخباره "نيفين" التقاءه بصديقه "سالم": (ما إن دخلت حتى رمَت حجابها الذي تتلفع به على الأريكة، "..." - تعال.. اجلس.. أريد أن أعرف ما الذي جرى لك؟ طلبت إذنا من العمل لآتي وأطمئنّ عليك. - لا تشغلي بالك يا عزيزتي.. أنا بخير. - لا.. لست بخير.. أنا أعرفك. من صوتك في الهاتف، عرفت ثمَّة أمر ما.. - قلت لكِ لا شيء.. مجرّد تخيُّلات أو ما شابه أتعبتني. 
- قل لي أولا.. هل عدت لقِصة هند وصديقك سالم؟ نظرت إليها باندهاش "..." - كيف عرفت بقِصة هند وصديقي سالم؟ نظرت إليّ مبتسمة، ومدت يدها ماسحة خدّي.. - يا عيني عليك.. أنت متعب بحقّ!).
هكذا انهار المبنى القصصي لهذه الرواية، بنيتها/ تقنيتها/ جماليتها/ ثيميتها، نتيجةً لإخلالها في إلزام المتن الحكائي بالتجاوز البنيوي، إذ تهاوى مسرودها: حدثه/ شخصيته/ زمنه/ مكانه، تماما، ما أودى بها، ممّا يعنيه هذا التهاوي، لأنْ تُخدَش في مستواها الفني، هنا، وإنْ تجاوزت به الرواية السابقة لها: طواف متصل 1988 (المتجاوزة لسابقتها: ثغور الماء 1983).
إذاً: في هذه الروايات الثلاث، أمثلة ليست حصورات، ما عادت (الشخصية) تلكم الحكائية الناتجة عن العمل التأليفي بقصد توزيع هويتها في النص الروائي من خلال الخصائص المستندة إلى اسم العلم المتكرر في الحكي.