الشفاعة الشعريَّة

ثقافة 2021/04/28
...

د. أحمد الزبيدي 
 
على الرغم من أن النظام الديني هو من أطلق على امرئ القيس لقب أمير الشعراء؛ ولكنه لم يتردد في تنصيبه حامل لواء الشعراء في النار. ولعل الخضرمة الشعرية كانت كفيلة بعصمة الشاعر من الإساءة إليه من قبل الأيديولوجية المتضادة مع سياقه السابق؛ بل القصيدة كفيلة بضمان حياته من القتل.
وأُمّةٌ يكون الشعر فيها ديوانها وسجل مآثرها يجعله في تحولات دائمة طبقا للتحولات السياسية والاجتماعية والثقافية للأمة. 
 ويا ترى، هل بقي الشعر معصوما من الزلل السياسي والثقافي لشاعره؟ أيشفع له منجزه الشعري من عقوبات الكراهية والإساءة؟ وهل ما زال الشعر ديوانا لقوميتنا؟ أما زال سجلّا للأيام؟ وهل محاولة نقل وظيفة الديوان من الشعر إلى السرد سحب للعصمة من الخطايا؟
لو راجعنا تأريخنا الشعري، الحديث على الأقرب، لاكتشفنا - بشيء من الحذر - أن الجواهري هو آخر الشعراء  الكبار المعصومين من الزلل.. شاعر شاهد على كل التحولات السياسية في العراق وعلى امتداد قرن كامل، وكل مرحلة لها في شعره نصيب من المدح والذم حتى المرحلة البعثية لها نصيب من النقيضين، ومع ذلك لم يتعرض إلى الكراهية والإساءة؛  كثيرا ما يردد المحتفون به لقب شاعر العرب الأكبر. فهل عصمه الشعر عن الإساءة؟ أم أن مرحلته كانت مرحلة هيبة الشعر وقداسته وحضوره وتأثيره؟!
ولو لم يكن الشعر بهذه المنزلة ما هتف شعرا في ساحة التظاهر العنيفة قصائد ثورية ورثائية اشعلت في الجمهور حماس الثورة والغضب. 
وجاء بعد الجواهري شعراء اخرون لهم مواقفهم ولهم طروحاتهم لم تشفع لهم قصائدهم في الحماية ولا في ايجاد مصدات ازاء غضب الشارع ورفضه لتمجيد الحرب والكراهية، ومنهم سعدي يوسف الذي غالى كثيرا في مواقفه التي اسهمت في الافصاح عن نزعات كراهية ومواقف يختلط فيها السياسي والطائفي بعيدا عن اي دافع وطني او اخلاقي بل الاكتفاء بغايات براغماتية لا تحمي احدا.
لعلها أسئلة إشكالية لا حدود لها؛ ولكن في رأيي المتواضع ما عاد الشعر قيمة ثقافية كبرى تسهم بالشفاعة والعصمة لصاحبها من الزلل، ورحم الله الجواهري الكبير المعصوم من الكراهية حين قال (وقد يزلّ الفتى خوفًا من الزلل)!