هيغل: الفيلسوف الذي رأى التاريخ بمنظور التقدم الحتمي

ثقافة 2021/05/01
...

  أنتجي ألروجين
  ترجمة: مي اسماعيل
 
كانت الحياة من منظور الفيلسوف الألماني "جورج فيلهلم فريدريش هيغل" عبارة عن عملية تغيير مستمر، ويمكن القول إن الفيلسوف المولود قبل 250 سنة والد نظرية "روح العصر-zeitgeist" (= الروح أو الحالة المزاجية المحددة لفترة معينة من التاريخ كما تظهرها أفكار ومعتقدات ذلك الوقت. المترجمة). 
ولد الرجل الذي كان مقدرا لهُ أن يكون من أشهر مفكري عصره أواخر شهر آب من عام 1770 في شتوتغارت، جنوب غرب ألمانيا. اعتنق والداه مفاهيم "التَقَويّة- Pietism"؛ وهي حركة إصلاحية لوثرية ركزت على التجربة الدينية الشخصية. احتل هيغل؛ الذي أظهر اهتماما بالرياضيات واللاتينية؛ موقعا متقدما في صفه بالمدرسة. وكان والداه يأملان أن يصبح قسا، فأرسلاه الى جامعة قريبة في توبنغن، حيث درس الفلسفة واللاهوت البروتستانتي. 
 
سجالات مبكرة 
وبداية مهنية متأخرة
كان زملاؤه في السكن الجامعي الفلاسفة والكتاب المستقبليين؛ كل من "فريدريش هولدرلين-Hölderlin"  1843-1770، و"فريدريش فيلهلم جوزيف شيلينج- Schelling" 1845 -1775. اعتاد الشباب الثلاثة الاستيقاظ عند الرابعة صباحا للنقاش مع بعضهم البعض، وواجه من يتأخر في الاستيقاظ منهم عقوبة التخلي عن نصيبه من النبيذ. قامت الثورة الفرنسية حينما كان هيغل في مدرسة اللاهوت؛ فاحتفل بالثورة السياسية من دون أن يكون مناضلاً ثورياً. 
بعدما أنهى دراساته واجه هيغل الضائقة المالية؛ فاضطر للعمل بالتدريس الخاص وكتابة بعض المواضيع الصحفية حتى عام 1805؛ إذ أصبح حينها بروفسورا. وفي الوقت ذاته استمر بالعمل على كتاباته الخاصة. 
كانت بداياته المهنية متأخرة، وكذلك كان زواجه. ولم يُعرف عنه أنه اجتذب اهتمام الآخرين بسبب مظهره الخارجي، فقد كان عابسًا على الدوام ولديه نظرة ثاقبة لا ترحم، ويقال إنه اعتاد التعبير عن نفسه بشكل غير مألوف باللهجة العامية للمنطقة بدلاً من اللغة الألمانية الرسمية. كما كان خط يد هيغل يُعتبر مما يصعب فك شفرته؛ وهو سبب آخر لكون نظريته أسفرت عن تفسيرات متباينة جداً حتى يومنا هذا. وقد أثرت آراء هيغل بشكل عميق على العديد من المدارس الفلسفية المستقبلية. 
 
مفهوم هيغل عن روح العصر
رغم كل شيء هناك اتفاق عام على أن هيغل كان أول فيلسوف يدرك ويعالج بُعد "التغيير"،والذي أسماه "الصيرورة-Werden" بكل غِنى جوانبه. آمن هيغل أن كل شيء في العالم يتحرك باستمرار: كل حياة منفردة، والطبيعة والتاريخ والمجتمع. وهذا ينتج عنه أن كل حقبة زمنية تمتلك روح عصرها الخاصة، أو- الروح العامة؛ وأن أي حقبة تاريخية لا تليها أخرى بشكل عشوائي؛ بل يوجد بدلا عن ذلك مبدأ التطور المنطقي. وعلى سبيل الاستعارة لشرح هذا المبدأ؛ استخدم هيغل دورة نمو النبات التي تحدث مراحلها وفقا لمبدأ داخلي. كانت وجهة نظر هيغل أن التاريخ يتّبع منطقاً محدداً مسبقا أدى مرارا وتكرارا إلى التناقضات والثورات، وكان مقتنعا بأن عمليات التغيير الديالكتيكية هي التي دفعت الإنسانية؛ ومن ثم التاريخ؛ باستمرار خطوة أخرى إلى الأمام. 
 
الصدام مع الكنيسة
طبق هيغل نظريته عن الصيرورة ايضا على مفاهيم الخليقة، وهذا أكسبه القليل فقط من الأصدقاء؛ لا سيما ضمن الكنيسة الكاثوليكية. لأنه كان يعتقد أن الخلق ككيان لم يكن موجودا دائما كما هو، بل أصبح ما هو موجودا بمرور الوقت: "روح عالمية" "Weltgeist" تحتوي وتوحّد داخلها كل العصور السابقة. وعندما رفض في وقت لاحق العقيدة الكاثوليكية للتحول الجوهري (التحول عبر تناول الخبز والنبيذ إلى جسد ودم يسوع المسيح) أُجبِر على التراجع عن بيانه والاعتذار رسميا.
لاحقا استخدم المفكرون ذوو الميول اليسارية فلسفة هيغل كنقطة إنطلاق نحو المادية الديالكتيكية؛ مما يؤكد أهمية ظروف العالم الواقعي المنفصلة عن العقل. وقد تأثر اثنان من كبار المفكرين الرئيسين بتلك النظرية، وهما "كارل ماركس" و"فريدريك إنجلز" بشكل كبير بمفاهيم هيغل؛ مما زاد من تطوير تلك المفاهيم وتطبيقاتها على المنافسة الطبقية. ومن جانبه عد هيغل أن الاستبداد المستنير (الحكم الدكتاتوري المطلق؛ وكان الأيديولوجية السياسية الرئيسة لعصره) بمثابة تتويج للإنجاز النهائي لعملية التغيير؛ إذ تقدم الدولة البروسية أكبر قدر ممكن من الحرية.
توفي هيغل يوم 14 تشرين الثاني سنة 1831 في برلين، متأثرا على الأرجح بمتاعب في المعدة؛ لكن فكرته عن "الكيان العالمي" استمرت بعده... 
 
موقع "دويتشي فيللا" الألماني