البحث عن المختلف.. فنانون أوروبيون اقتحموا عرين الشرق

ثقافة 2021/05/01
...

  لمياء نعمان
 
تأثر الفنانون في العالم والعرب بشكل خاص بالمدارس والاتجاهات الفنية الأوروبية بمختلف أطيافها متمثلة بأساليب التعبيرية والرمزية والانطباعية والكلاسيكية..
وجاءت بعدها الثورة الفنية «الدادائية» ابان عشرينيات القرن الماضي كتغيير لنمطية تلك المدارس التي باتت تقليدية ومكررة.. توجُت تلك الثورة بمدارس التكعيبية والسريالية والتجريد والكولاج.. ولكن لو رجعنا الى أوائل القرن السابع والثامن والتاسع لوجدنا أن الفنانين  والرحّالة والكُتاب الأوروبيين تأثروا بحياة الشرق ودخلوا عرين الشرق المجهول؛ محاولةً لكسر الجمود والرتابة في الفن والحياة فاقتحموا الحياة العربية والإسلامية لتكون مدخلا وممرا لأركان الفن الأوروبي، وبفضل هؤلاء وعبر ما لمسوه في الشرق عبرت أعمالهم صورا رائعة مثلت تفاصيل البيئة والشخوص والطبيعة والعادات، فضلا عن التعرف على فن العمارة والمنمنمات وحتى أنهم تأثروا بالأزياء والملابس ونقلوا الى بيوتهم السجاد والمنسوجات الشعبية والتراثية المميزة بألوانها الجميلة.. وسعى الفنانون والمعماريون للبحث عن ما هو جديد في بلدان بعيدة عنهم بعدما شعروا أن الفن الكلاسيكي لم يعد يعبر عن هواجسهم أزاء بواطن الواقع والخيال والأسطورة فانصب اهتمامهم بالترحال والسفر لاكتشاف المجهول، وساعدهم في ذلك تحسين وسائل النقل عبر السفن التجارية وخطوط سكك الحديد.. وبداية تلك الرحلات كانت عن طريق احتلال نابليون لمصر عام 1798 م وجلب معه نحو 561 مهندسا وعالما ورساما ليقتنصوا ما تشاهده عيونهم وتلمسه أيديهم وتدغدغ مشاعرهم لتثير حسهم في ديمومة الأفكار واشعال النشاط في مخيلتهم.. فضلا عن نشر الثقافة الفرنسية بين الشعب المصري والشعوب الأخرى.. أيضا وجدوا معالم تركية اسلامية في البلدان العربية وهي إضافة للاستلهام والتعرف على حضارة الشرق بفكره ومظاهره وتقاليده.
هذا ما جعل مصطلح «الاستشراق» يظهر في اللغة الفرنسية عام 1799 ليصاحب الكلمة إنشاء وإيجاد مؤسسات ومتخصصين ومتاحف، فضلا عن إرسال البعثات للبحث بعمق عما يمتلكه الشرق الغني من مجمل صنوف الحياة ليتم تقييمها وتحليلها.
ومن هنا أصبحت أبواب الحياة الشرقية مشرعة امام الغرب للتعرف عن مقرؤات حضارية وفكرية وجمالية.. وأشهر الرسامين المتأثرين أو المصورين هم أوجين ديلاكروا وتيودور جيريكو من فرنسا وماكارت من النمسا، وبربولوف روسيا، وفورتوني اسبانيا، وغيرهم الكثير. 
أعمال الرسامين عن الشرق تركت أثرها على الفن العالمي لميزتها وتوثيقها لمحة لمراحل زمنية لبلدان عربية وإسلامية وحتى أفريقية.. ولوحاتهم صورت حياة الناس البسطاء والملوك والنساء والطبيعة والصحراء، واعتبرت تلك الأعمال تراثا إنسانيا ذا قيمة جمالية وإنسانية عالية.. وبعد قرون من تمازج الغرب بالشرق خرجت تلك الأعمال الرائعة والمشهورة بازدياد أسعارها في المزادات العالمية الحديثة.
كما عكست تأثير التصوير الإسلامي مثل مدرسة بغداد الواسطي والمدارس المصرية والتركية والإيرانية والهندوسية والمغولية على مجمل أفكار الفنانين الأوروبيين المستشرقين، فكان لها الأثر الكبير في التعريف بفن المنمنمات والعمارة لتقترن وتتمازج مع الأحداث والقصص مُزينة بألوان براقة بسيطة تبتعد عن ملامح التشريح، وأيضا تأثر المعماريون بقوالب الفن الإسلامي ليأخذوا النقوش والزخرفة والأرابسك والديكور والسجاد لتحاكي أسلوب العمارة في أوروبا.. وأصبحت الصور والأشكال والحياة والعادات ذات تأثير على النبلاء والميسورين لتقليدها واتباع أسلوب الشرق في حياتهم.
ومن هنا نتساءل لماذا أتجه الفنانون الأوروبيون لرسم حياة الشرق بكل أشكالها.. هل هو الشغف لمعرفة أساطير وأسرار الشرق أم هو الضجر من أساليب حياتية وفنية في محيطهم والذي لا يعدو على الأغلب المجال الديني والطبيعة ورسم الشخصيات أم كان هوسا للتعرف على غير المألوف والمختلف عن نهج حياتهم.