العراق بحاجة الى دولة تصنع أمة

آراء 2021/05/03
...

  أ.د عامر حسن فياض
عبر التاريخ تشكلت الوحدات السياسية تحت مسميات متعددة (دولة مدنية – ولاية – امارة – مملكة - حاضرة – امبراطورية – دولة ) وتحكمت فيها ثلاثة قوانين جدلية متداخلة هي قانون تنازع الارادتين الداخلية والخارجية وقانون تنازع التفكيك (التجزئة) والتركيب (التوحيد) وقانون تنازع الهويات، وتلك القوانين بحكم جدليتها فانها ترابط الوحدة السياسية في بداية التشكيل، وحتى انهياره لترجع مرة اخرى تسجل حضورها في اعادة التشكيل وهكذا.وبقدر تعلق الامر بالتجربة العراقية في بناء واعادة بناء الدولة نتلمس حضور وفاعلية هذه القوانين الجدلية، فالدولة العراقية العشرينية في التأسيس شهدت تنازع الارادتين البريطانية والعراقية واستمر هذا التنازع وعبر عن نفسه مره بغلبة الارادة البريطانية على الارادة العراقية (احتلال العراق) ومرة بقوة حضور الارادة العراقية (ثورة العشرين)، 
ثم تواصل هذا التنازع بين ارادة الخارج وارادة الداخل على امتداد تاريخ العراق الملكي، ثم الجمهوري وصولاً الى الاحتلال الاميركي للعراق، ليعود هذا القانون السجالي الجدلي ويستمر التنازع حتى اليوم بين ارادة الخارج (الاميركي بشكل خاص) وارادات الداخل العراقي في اعادة بناء الدولة التي انهارت عام
 2003 .
وعن هذا القانون نسجل حقيقة مفادها بأن ارادة الخارج الدولي والاقليمي لا تريد للعراق اكثر من أن يكون كيانا او مجموعة كيانات سياسية تعيش في حالة ما قبل الدولة، وتلك الارادة الخارجية الغالبة، تتغذى من غفلة الارادات العراقية عن اهمية بناء الدولة العراقية 
الحديثة.
وعن القانون الجدلي الثاني (قانون التجزئة والتوحيد) هو الآخر سجل حضوره وفاعلية تأثيره عند تشكيل الدولة العراقية العشرينية، عند تركيب ثلاث ولايات عثمانية (بغداد – الموصل – البصرة) مقابل تفكيك (مشكلة الموصل) وحصل التنازع ويظل هذا القانون مشتغلاً حتى يومنا هذا عندما تثار اشكاليات هل العراق واحد ام اكثر . الموصل لمن؟ كوردستان لمن؟ الربع الخالي لمن؟ الفيدراليات اتحاد ام انفصال؟ والاكثر اهمية ان على الارض نتلمس قوة التفكك والتجزئة التي تتغذى على غفوة الاطراف العراقية عن ادراك اهمية التوحيد لنجاح مسار بناء الدولة في العراق.
وعن القانون الجدلي الثالث (قانون تنازع الهويات)، فالعراق عاش ويعيش تنازع الهويات الفرعية غير السياسية، بل غير الصالحة لتكون هويات سياسية، وهكذا كل المجتمعات السياسية التي تعيش حقيقة التنوع القومي والديني والمذهبي، فإنها لا تتمكن من بناء او اعادة بناء دولة، اذا انتقت واحدة من الهويات الفرعية لتعلو بها الى مستوى الهوية السياسية للوطن ككل، لان فرض هوية نوع قومي او ديني او مذهبي كهوية سياسية لوطن متنوع سيؤدي الى تقاتل الهويات لا تعايشها. ولا خلاص الا باختيار هوية المواطنة التي لم تأت بعد اي هوية الامة العراقية ولا تتشكل هذه الامة الا ببناء دولة عراقية، تقوم على الافراد المواطنين لاعلى الجماعات القومية والدينية والمذهبية، لأنك إذا اردت مواطنا ستجده في كل التنوعات على امتداد كل العراق، واذا اردت شيعياً  فلن تجده لا في وسط الشيعة، الذين هم ليسوا في كل العراق، وكذلك الحال اذا اردت سنياً او مسيحياً او كردياً او تركمانيا فلن تجدهم في كل العراق، بل في اجزاء منه وكل هوية من هويات هؤلاء لا تصلح ان ترتقي الى مستوى الهوية السياسية لكل العراق، وان غلبة الهويات الفرعية على الهوية السياسية الوطنية العراقية، تضع العقبات امام بناء دولة العراق الحديث وان فرحة علو هوية فرعية الى مرتبة هوية سياسية للعراق وغلبتها على بقية الهويات، هي فرحة قصيرة ومؤقتة غير معمرة ولا تعمر دولة وعلى اصحاب الهويات الفرعية القومية والدينية والمذهبية، أن يدركوا أوهام هذه الفرحة لأنها ستنتهي بجعل هوياتهم الحضارية او الدينية او المذهبية او الاجتماعية متقاتلة مع غيرهم وقاتلة لهم في آن معا.
باختصار العراق بحاجة الى ان يكون دولة مواطنة تبني امة سياسية (امة عراقية) تحتضن جميع هوياتها غير السياسية القومية الحضارية المتنوعة، وهوياتها الدينية والمذهبية المتنوعة وهوياتها الاجتماعية العشائرية 
المتنوعة.