علي (ع) انقضى عصره وبَقِي َأكبر من كلِّ العصور

ثقافة 2021/05/03
...

  علوان السلمان
اذا كان هناك تاريخ للتدوين قد ساير الثقافة الاسلامية منذ صيرورتها وتواصلها العام والخاص، لكان هناك قطب لا نختلف عليه لتلك الثقافة، وبافتقاد ذلك التدوين فقدنا قيما مهمة، إذ نقر ونشهد بأن القرآن قد وحد اللهجات العربية المتعددة، ولَمَّ شمل تلك اللهجات التي فيها الكثير من الشواذ والدخائل الغريبة، وكذلك الاختلافات المتعددة في صيغ التعبيرات، وكذلك فقدان التنقيط كان ايضا احد الوجوه العصيبة، وما كانت سمة التأطير القرآني في وحدة لغوية بنظام صارم نشهد إلى اليوم أثره، وكان يلزم ذلك ترجمة للمستوى البلاغي واللساني. 
 
لقد أجمع علماء النفس والتربية ان جميع نفسيات الإنسان وأخلاقه وصفاته إنما هي انطباعات التربية التي تركزت في نفسه منذ صغره.. وفي سيرة الإمام علي (ع) ملتقى الخيال،إذ تحلق الشاعرية الانسانية في الاجواء وتلتقي سيرته بالفكر كما تلتقي بالخيال والعاطفة؛ لأنه صاحب آراء التصوف والشريعة والاخلاق التي سبقت آراء الثقافة الاسلامية.. كان(ع) أديبا بليغا له نهج من الادب والبلاغة له سيرة خاصة لا تشبهها سيرة.. فهو خلق لا يرتقي اليه خلق.. رجل لا يدانيه في صفاته رجل.. إنه عالي المنزلة.. شريف النسب.. كريم السجايا.. فذ الطبع.. عبقري الموهبة والادب وخلاصة تربية نقية أولاها الرسول (ص) عنايته ورعايته وأسبغ عليها من جلال شخصه ملامح الهيبة والنقاء.
إنه (ع) خلق رباني فريد.. ونسج متفرد بين العرب والمسلمين.. انقضى عصره وبقي أكبر من كل العصور وعنوانا للحق والعدل والمساواة..
تفرد في مكان ولادته (البيت العتيق) استثناءً. وقد وظف هذا الحدث الشاعر حامد عبد الحسين حميدي قائلا:
في كعْبةِ اللهِ كَانَ المَهدُ يحمِلُك/ حتّى تَراءَى بِشَقٍّ صَارَ يَمتَشـِــقُ
فكنتَ فَجْراً وَليداً صَاغَهُ أملٌ/مِنْ كُلّ فجـْـرٍ بما أوتيتَ يَســــتَبِقُ
ـ اجتمع له (ع) من الكمال وصفاء النسب ما لا يجتمع لغيره من الرجال،   فأبوه أبو طالب شيخ قريش وجده عبد المطلب أمير مكة وسيد البطحاء وإنه ابن عم الرسول (ص) وزوج ابنته وأحب عترته اليه..
ـ كان(ع) من أفقه أصحابه وأقضاهم وأحفظهم وأوعاهم وأدقهم في الفتاوى حتى قيل فيه: لا بقيت معضلة ليس لها أبو الحسن. وشاهدنا قول الشاعر محمد سعد جبر الحسناوي
مالتْ لمجدِكَ شمسٌ جلَّ رافعُها/وملتَ في كفَّةِ الميزانِ والشـــــرفِ
فليسَ عِدلُكَ لا شمسٌ ولا قمرٌ/فأنتَ ميزانُها في الفلكِ والسُــــــــدُفِ
وكيفَ تعدِلُكَ الدنيا لو اجتمعتْ / على ( سلوني) لما نالتْ من الهدفِ
ـ إنه (ع) العقل الذي وضعه الله ليميز به بين الحق والباطل بعد الرسول(ص).. إنه إمام الفصحاء وأستاذ البلغاء وبحق قيل فيه: كلامه فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق.
 ـ إن سيرته (ع) هي سيرة يلتقي عندها الوجدان وله من الصفات ما لا تجتمع في إنسان، كانت تنمو معه نمو الجسم والعقل معا؛ لذا كان أثرى شخصية علمية وفكرية عرفها التاريخ الانساني.. فهو عملاق الاسلام ورائد نهضته بعد النبي(ص).. فكان (ع) اول حاكم في دنيا الاسلام أعلن حقوق الانسان... فكان من عمالقة الفكر والروح والبيان في كل زمان ومكان، كما قال عنه جورج جرداق في موسوعته.. ففيه (ع) اجتمع فعل الفيلسوف وفعل القائد وفعل يشبه فعل الانبياء، فمدرسته مدرسة العقل والفكر والثورة والتسليم والانضباط والحس والجمال والانجذاب والحركة... إذ كان قبل إمامته للناس إنسانا متعادلا..  متوازنا في ذاته.. تجتمع فيه الكمالات الانسانية كلها كما يقول (دستغيب).. كان (ع) الى جانب عمق تفكيره وبعد نظره يتمتع بمشاعر عاطفية رقيقة، جمع كمال الجسم الى كمال النفس.. وهذا صوت الشاعر يحيى السماوي مغردا وشاهدا..
شــمــائِـلــكَ الـجـلــيــلـةُ لا تـُـعَــدُّ
جـمـعـتَ الــمـكـرمـاتِ وأنـتَ فــرْدُ 
ومَـنْ ألِـفَ الـفـضــائِـلَ وهـو غــضٌّ
فـقـدْ صـارَ الفـضـيلةَ وهْـو طـوْدُ 
إمــامَ الــمُـــتــقـــيـــنَ وأيُّ بــحــر
كـــبــحــركَ: جَــزرُهُ مَــدٌّ ومَــدُّ؟ 
فـيـا خـيـرَ الـرجـالِ إذا تــبـاهـى
نـــبــيٌّ بــالــرجــالِ وجَـــدَّ جـِــدُّ 
ولـسـتُ بـمـادحٍ شـمـســاً بـقـولـي
تفيضُ سَــناً فـطـبعُ الـشـمـسِ رفـدُ
 
ـ كان (ع) في الليل ينقطع عن كل أمر للتعبد، وفي النهار ينشط في كل عمل اجتماعي.... وكان (ع) برمته وتاريخيه وسيرته وأخلاقه وكلماته وأقواله كلها دروس وتعاليم ونماذج للاقتداء والقيادة.. هكذا كان (ع) سليل بيت النبوة وحامي حياض الاسلام وداعي نداء الحق الى الله وصاحب الكلمة الفصل.. اذ كان (ع) الانسان العالم الواثق بعلمه.. فالكلمة في أدبه تنبع من قلبه وتنداح في فمه مكتفية بذاتها.. صافية.. إنه(ع) أسطورة لم يعرفها إلا الله ورسوله(ص) كما روي عن النبي(ص) إذ قال: يا علي ما عرفك إلا الله وانا...لذا قال فيه الشاعر حماد الشايع..
 
سلامٌ عليكَ وليّ الرّسولْ/ وباب العلوم وزوج البتولْ
وُلِدتَ عزيزاً ببيتٍ كريمٍ/ومتَّ شهيداً بسيفٍ جَهولْ
سلامٌ عليكَ وهذي الدّموع/ كسيلٍ تَحدَّرَ فوقَ السّهولْ
سلامٌ عليكَ حبيب الحبيب/وطبّ القلوبِ ولبّ العقولْ
سلامٌ عليكَ وَرُكْنُ الهُــدى/ تَهَدَّمَ حين ارتَمَيْتَ قتيـــلْ
 
ـ كان(ع) عابدا يشتهي العبادة وليس مكتوبا عليه.. لذا كان يردد: إلهي ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك ولكني وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك.. ويقول(ع): الجلوس في المسجد خير لي من الجلوس في الجنة؛ لأن الجنة فيها رضا نفسي والمسجد فيه رضا الله...
ومن شعره قوله (ع):
 
لو كان هذا العلم يحصل بالمنى
ما كان يبقى في البرية جاهــل
أجهد ولا تكسل ولا تك غافـــلا
فندامة العقبى لمن يتكاســـــل
 
ـ وقد قيل فيه (ع) الكثير نثرا وشعراً وسيرة.. فلم يفِ كل ما كتب ولو جزءا يسيرا من سيرته ومؤلفاته و..و.. ومن ذلك قول الشاعر شلال عنوز..
 
 تغفو العصورُ وتستفيقُ تُغادرُ
إلّا سَناكَ فمنذُ ألفٍ ساهــرُ 
إلّا سناكَ يبثُّ في هذا المدى
دفقَ الشموخِ فتشرئبُّ مَنائرُ 
إلّا سناكَ يزقُّ في رئةِ الدُّنا
ألَقَ السماءِ فتستنيرُ حواضِرُ 
جَفّت قفارُ الناكثين وأجدبت
يَبَساً وبحرُكَ منذ ألفٍ هـادرُ 
صرخ المغيبُ على سواترِغيِّهم 
ولِواكَ في أفقِ التجدّدِ آسِرُ
 
فسلاما عليك بحجم الجراح وحجم ما تعرض له الاسلام والمسلمين بفقد الامام.. الذي استثار الشاعر رعد زامل قائلا: 
 
نزعتُ من القلب السقيم الأمانيا
 وجئت لبحر الجود أطوي القوافيا
وما ســـــال دمــعُ العين إلا لأنها
يتيماً ترى المحراب بعــدك خاليا