إسقاطات سياحية

آراء 2021/05/04
...

 رفيف الشيخلي
 
كلما زرت العراق، أجد أني أنقسم إلى قسمين من دون رغبة مني... فأكون أنا العراقية التي تزور بلدها، وتفرح بلقاء الأهل والأقارب والأصدقاء... بالإحساس بأن لي جذورا تمتد لتعانق الأمكنة... وفي الوقت نفسه، أكون سائحة، تكتشف وتتعرف... ومن دون قصد مني أقارن بين ما أراه وما أعيشه في بلد الإقامة المغرب.
في المغرب أشعر بأني مغربية... أحب هذا البلد جدا... كيف لا وقد تعلمت فيه، وتكونت، وبكيت وضحكت، وأحببت... وأحب العراق أيضا... كل شيء فيه حتى حزنه... وهذا الإحساس بالانتماء إلى بلدين أعتبره أمرا إيجابيا... هو غنى ثقافي ومعرفي... هذا الخليط بداخلي أمر مميز... ويشعرني بالقوة... كأني أجمع سحرين، ولي قوتان... 
لكني أنا التي تعيش في المغرب الذي يعرف إقبالا سياحيا كبيرا طوال السنة ولأسباب عديدة منها التنوع المناخي، والجغرافي... التاريخ والثقافة... الفنون والمتعة وأيضا سياحة دينية... أشعر بأسى كبير حين أرى العراق لا يهتم بكل ما يملكه كي يكون أيضا بلدا سياحيا... صحيح أنه يعرف هو الآخر التنوع المناخي والجغرافي... وعراقة تاريخية... أديان وحضارات وثقافات... لكن، كأنه يتركها عرضة للنسيان عوض الاهتمام بها والاحتفاء بها وجعلها قبلة لكل راغب في التعرف والاكتشاف... كنت أود لو ان المجال يسمح للتعريف ببعض المدن المغربية... فلكل منها طابعها الخاص والمميز... أصيلة ببساطتها وجدارياتها... شفشاون الزرقاء بخضارها... فاس العاصمة العلمية والروحية... مراكش، مدينة البهجة التي تجمع سحر التاريخ بالتطلع بثبات إلى المستقبل... الداخلة... أغادير... وغيرها الكثير... لكن... بسبب تفرد كل مدينة سيتطلب ذلك مجلدات ضخمة... 
لذلك،   سأعبر عن   بعض  نقاط  الاختلاف  التي  ألاحظها  بين  البلدين... كالاهتمام والنظافة... لكن الأهم هو تلك التفاصيل الصغيرة التي قد لا نجدها في مواقع التعريف بالأمكنة تاريخيا وجغرافيا... 
مثلا، الاهتمام باللغة... كتابة وحديثا... فمن يزور المغرب سيرى أن كل مناطقه وإشاراته وأمكنته، وحتى متاجره تعرف باللغة العربية والأجنبية... سواء كانت فرنسية أو اسبانية او انجليزية... حسب المنطقة... والناس أيضا أغلبهم يمكنهم التعامل بأكثر من لغة ولو بأبسط الأشكال... قد تجد باعة يتحدثون بالعربية وعدة لغات أخرى... وهو الشيء الذي لم أصادفه في العراق... كأن المفروض على كل زائر أن يفهم اللغة العربية واللهجة العراقية تحديدا... 
والأمر الثاني الذي أثار انتباهي بشدة هو الابتسامة... خصوصا في معاملات البيع والشراء... في بغداد لا يبتسم الناس... وهذا يشعر أي زائر من دول مثل المغرب أنه غير مرحب به... تحس أن أغلب الناس متجهمون... وكأنهم سيعطون لك الشيء مجانا...  ولا حتى يستقبلونها... إلا نادرا
أذكر في إحدى زياراتي لبغداد... دخلت محل بيع ملابس... سألته عن قطعة معروضة... فإذا بصاحب المحل وهو رجل كبير في السن يسألني: ابنتي، أنت لا تسكنين العراق صح؟ توقعت في البداية أني أخطأت في التعبير أو النطق. لكني حين استفسرت منه فاجأني بقوله أن ما جعله يدرك ذلك هو الابتسامة، لأني سألته وأنا أبتسم... لم أشعر حينها إلا وأنا أحدثه عن المغرب... عن كيفية تعامل الناس بعفوية والترحيب بهم بابتسامة... كيف أنك في مراكش ستجد الناس يقابلونك ليس بالبسمات فقط، بل بضحكات ونكات وعزومة شاي فقط كي يشعروك بالراحة والرغبة في الشراء والتعامل... حدثته عن مراكش وأني أعتبر ان أحد أسرار نجاحها هو انها مدينة للبهجة... مدينة تستقبلك بأريحية وعفوية وضحكات... 
ثم وعدت صاحب المحل بزيارته بعد أسبوع لشراء أشياء أخرى... وجدته يستقبلني بنكتة وهو يردد: كي تتذكري مراكش والمغرب ولا تشعري هنا
 بالغربة... 
ثم أليست الابتسامة في وجه أخيك صدقة؟ 
أتمنى فعلا أن يحظى العراق بمكانة سياحية كما يستحق... فهو يتمتع بكل شيء... فقط يلزمه بعض الاهتمام
 والبسمات.