لعبة دول كبرى

آراء 2021/05/04
...

   عبدالامير المجر 
من الاحداث التي يجب ان تقرأ بوصفها دروسا، الحرب الكورية وخلفيتها السياسية، ودور الصين في نشوب تلك الحرب مطلع الخمسينيات.. الحدث يمثل درسا في الخطوط الحمر الدولية، التي يجب ان يعرفها كل سياسي متصد للمسؤولية.. وخلاصته؛ ان قادة الاتحاد السوفيتي واميركا اتفقوا على تقاسم النفوذ في العالم بعد دحر دول المحور، المانيا النازية واليابان.
 
كان هذا في مؤتمر القرم في يالطا مطلع العام 1945، ومن بين ذلك يكون شمالا كوريا، المحتلة انذاك من قبل اليابان، من حصة الاتحاد السوفيتي، اما الجنوب فلاميركا، وقد رسموا على الخريطة حدا فاصلا لايتجاوزه أي منهما بعد اقتحامها وطرد اليابانيين.. لماذا حصلت الحرب الكورية لاحقا 
اذن؟. 
الصين التي باتت تحت قيادة (حزب الشعب) الشيوعي بزعامة ماوتسي تونغ في العام 1949، لم تكن تعرف تلك الاسرار، وكانت بقيادتها الراديكالية المتأثرة بطروحات تروتسكي، المتمثلة بالثورة الدائمة، تؤمن بالكفاح المسلح وسيلة لفرض او نشر العقيدة الشيوعية!. 
لقد دخل الزعيم الكوري كيم ايل سنغ الى شمالي بلاده (المحررة) بمعية الرفاق السوفييت،  لكنه لم يستطع التوجه جنوبا، لان السوفييت لم يسعوا لذلك، فبقي ينتظر اللحظة المناسبة التي أتت بعد انتصار الشيوعيين الصينيين العام 1949 وتسلمهم السلطة، اذ وجد من يقف معه ويدعمه، بل ويدفعه الى مغامرة لم يكن يتخيل حجم الكارثة التي ستجلبها لبلده، فاندفع الرجل جنوبا مدعوما بمئات الآلاف من المتطوعين الصينيين، وكاد يحكم قبضته على كوريا كلها ويعلنها شيوعية.
ولكنه لم يعلم انه وضع رفاقه السوفييت في موقف صعب، فهم لايستطيعون دعمه لينتصر فيصطدموا بالاميركان، ولايستطيعون التفرج كي لاتهتز صورتهم كقادة للعالم الشيوعي، وكل مافعلوه انهم دخلوا الحرب ليضبطوا المعادلة التي يجب ان تنتهي بالتعادل، وقد انتهت كذلك، وبقي الخط الفاصل بين الكوريتين قائما الى اليوم، بانتظار صفقة جديدة تقرر مصيره!
انتبهت الصين الى راديكاليتها لاحقا، او بعد رحيل ماو تسي تونغ منتصف السبعينيات، وصارت سياستها واقعية، بل وغيّرت من نمط اقتصادها ليواكب عالم ما بعد حقبة الحرب الباردة وصراع الايديولوجيات، لتحقق قفزة كبرى، لكن من دون عبور الخطوط الحمر، لانها صارت تعرفها تماما وتسهم في صنعها ايضا! فهل من مراكز دراسات ستراتيجية تترجم هذه الدروس لمن هم بحاجة لقراءتها؟!