مُقارباتٌ لسانيَّة في تحليل الدلالة والتداول

ثقافة 2021/05/04
...

  البصرة: صفاء ذياب 
 
في كتابه الصادر مؤخراً عن دار كنوز المعرفة في عمان، (مُقاربات لسانية في تحليل الدلالة والتداول)، يسعى الناقد الدكتور محيي الدين محسب للإجابة عن سؤال اللساني الأسترالي كينيث آلان بخصوص نوع التفاعل الذي يراه بين المجالات العلمية الآتية: (تحليل الخطاب)، و(التداوليات)، و(الدلاليات)، و(السيميائيات)، و(فلسفة اللغة)، قائلاً إن "(اللسانيات) عندي هي فرع من (السيميائيات)، وكلٌّ من (تحليل الخطاب) و(الدلاليات) و(التداوليات) تقع داخل (اللسانيات). وقد يُستثنى (فلسفة اللغة) من ذلك، غير أنَّ كثيراً من فلاسفة اللغة لهم أهداف مماثلة لأهداف دارسي (الدلاليات) و(التداوليات). ويأخذ محسّب (تحليل الخطاب) على أنّه تحليل النصوص والخطابات (لا تمييز بينهما عنده). ويعتمد (تحليل الخطاب) لديه على البحث في (الدلاليات)، وبصفة خاصة على (التداوليات)، وذلك على الرغم من أنَّ تمحيصات (الدلاليات) و(التداوليات) تحتاج إلى أن تأخذ في حسبانها السلوكَ اللغويَّ ذا المعنى في النصوص. ويمكن للمرء أن يقول بأن (الدلاليات) معنيَّة بالخواصِّ غيرِ السياقية للغة، في حين أنَّ (التداوليات) يجب بالضرورة أن تأخذ في الحسبان اللغةَ في سياق استعمالها في مناسبة معينة بوساطة متكلم/ كاتب معين".
ويطرح محسب تساؤله عمّا يعني هذا القول؟ مبيناً أنه يعني– ضمن ما يعني- فكرةَ التداخل الاختصاصي، أو ما يسمى في تداولنا العربي بالدراسات البينية، وما يسميه هو (التخاصُص). فهذه الاختصاصات المعرفية الواردة في قول آلان تلتقي في منطقة عمل مشتركة؛ هي اللغة. ولكن الأهم هو أنها جميعاً تعالج اللغة بالتركيز على جهة المعنى أو الدلالة.
ويفصّل محسب في المقالة الأولى من الكتاب الذي يتكون أربع عشرة مقالة، بقوله إنَّ النظرية اللسانية بصفة عامة، والنظرية الدلالية بصفة خاصة، باتتا تميلان إلى إقامة تكاملية متعادلة بين أهمية المعنى الدلاليّ وأهمية المعنى التداوليّ في تعريف (المعنى اللغويّ). والقول إنَّ المعنى الدلاليّ هو القدْر المشترك بين التصورات والتمثيلات الذهنية التي ترتبط بالتعبيرات اللغوية، والمواقف الإدراكية، التي يختزنها أعضاء الجماعة اللغوية المعينة ويعودون إليها بوصفها معياراً تُراجَعُ عليه كلُّ ممارسةٍ استعماليةٍ جديدةٍ للغة. 
ولا شك أنَّ مَيله إلى الأخذ بهذا التصور يستند إلى اقتناعٍ بما قدمته اللسانياتُ الإدراكيّة في طرحها لما سُمِّي بـ(الدِّلاليَّات اللغوية الداخلية) التي توجزها عبارة (المعاني في الرؤوس)؛ إذ تذهب إلى أنَّ التمثيلات الذهنية التي يُطلَق عليها اسم (المفاهيم) هي الأجزاءُ المفاتيحُ للآليات التي تربط العقلَ بالعالم؛ ومن ثم فالمعاني هي عناصر البنية الإدراكية لمستعملي اللغة. وإذ إن هذه البنية الإدراكية هي حركة دائمة بين التركيز على السمات العامة، أو التركيز على السمات الخاصة الفارقة، فكذلك المعنى اللغويّ هو حركة دائمة بين العموم الدلاليّ والخصوص التداوليّ.
وفي ضوء هذا المنظور، فإنَّ المقالات العلمية الواردة في هذا الكتاب تستهدف إنجاز مقارباتٍ تحليلية لبعض القضايا اللغوية التي تخصُّ العربية، أو تتعلق بتطوّرات لسانية ذات صدىً في اللسانيات العربية وهي تستثمر علاقاتها بالنظريات والمناهج اللسانية الحديثة، وتتفاعل مع أبعادها وآفاقها.
 كما أن هناك تركيزاً واضحاً على أبعاد الدلالة والتداول: دلالة بعض الظواهر اللغوية وتداولياتها، أو دلالات بعض المعالجات اللسانية وما تتداوله. ولذلك فقد جاءت مقالاتُ الكتاب على النحو الآتي: (الدلاليات والتداوليات: جدلية الاستقلال والاتصال: نموذجٌ لسانيٌّ في تحولات التَّخاصُص). (الأبعاد الدلالية في إعراب الفعل المضارع: الزمن– الجهة– الموجهية). (مشروع البابطين المعجمي للشعراء وإسهاماته الضمنية في اللسانيات التوثيقية للعربية). (حماسة عبد اللطيف وتبني الأسلوبية النحوية مدخلاً إلى تعليم العربية). (بعض المنطلقات في تعليم العربية وتعلمها). (تصور مقترح لمحتوى المعالجة الدلالية في مادة اللغة العربية: متطلب جامعي). (اللغة تفعل!). (الترجمة من منظور النسبية الإدراكية). (إطلالة أولية على دور مجلة فصول في إرساء أبعاد التَّخاصُص بين المعرفة اللسانية والمعرفة الأدبية). (في الطريق إلى إدراكيات شعرية: مع ترجمة مقالة لارزيا بيليخوفا: نموذجٌ تكامليٌّ لتفسير النص الشعري). (وجوه المغزى في إعادة اكتشاف دوسوسير وبخاصة على ضوء مقالة وليم ج. كاراسكو: النظر إلى الوراء لرؤية الآتي). (البحث اللساني العربي بين تكرار الحضور وفجوات الغياب). (ألفاظ الرائحة في دراسة عربية). (الرتبة بين التراث النحوي وبلاغيات الخطاب).
يشار إلى أن الأستاذ الدكتور محي الدين محسّب، لغوي وأكاديمي مصري، أصدر عدداً مهماً من الدراسات والبحوث في تحليل الخطاب والإدراكيات، ويعد هذا الكتاب أخرى قبل رحيله خلال الأشهر القليلة الماضية.